عندما يبكي القمر

رأت العالم كلهُ فيه تنظر بعينهُ وتسمع بإذنهُ وتشعر وتحس بأحاسيسه، العالم كله بين يديها في وجوده، احتواءها بكل تفاصيلها لا تغيب عنه شاردة ولا واردة، يلبي احتياجاتها قبل أن تخطر ببالها، ترى فيه كل الوجوه، وهذا ما يملأها ثقة وقوة لمواجهة العالم.

عطائه الغير متناهي جسر تعبر به إلى تلك الضفاف المفتقرة إلى معاني المفردات وجماليات اللغة، لتكون حبكةً لنص أدبي متكامل البناء. قصيدة وناي ونبع ماء، نُخيلات الرطب التي تحيط بغدير زلال يعكس زرقة السماء الصافية وصورته، عنيزات وراعي وعصا يتكأ عليها ويذود بها عن غنمه، حكاية الولع والهيام من البادية تحكيها ليلى لقيسها.

حنين تعشقه فيبعث فيها الحياة وترتوي عروقها وتزهر بالعطاء، جعلها حواء السكن والمودة تذوب في ملامحه، يعانقها في اصعب الظروف، يجدها ملاذًا، لباسه يرتديها دفئًا من النسمات الباردة التي يمكن أن تُؤدي صدره ولباسها يسترها من هبات الهواء الذي تداعب شعرها فيثير فيه الغيرة.

فتتساقط دموعه على صدرها، يدور الفلك وتبدو علامات الخسوف لقمر طالما ظل منيرًا في فلك عينها فهي لا ترى ضياء سوى ضياؤه، تبتهل بالدعاء والصلاة لانكشاف الهموم، آية تقرأها على سجادتها، وتسبيحات تُديرها بحبات مسبحتها الطينية في الغداة والعشية.

كفوا أحدهم للأخر، حواء تؤمن بالرحيل على أنه سنة الكون إذ لابد من الرحيل، فكرة تُخيفها مما يجعلها كثيرة التأمل في تقاسيم وجهه تتعمق في أدق التفاصيل تلاحقه بنظراتها الخفية حانية المشاعر له.

صوته أهازيج الفرخ وتكبيرات المأذن في العيد

همساته ترنيمة جميلة على شفتاها، ضحكاته نغمات يعزفها لحنًا خالدًا يتردد في مسامعها، مصحف تُرتلُ سوره ببسملة الحمد، هي سورة الكوثر في مصحفه.

قمرٌ وشمسٌ يسبحان في فلك واحد، ليل ونهار متعاقبان في كون عظيم صاغ نظامه العزيز القدير فلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلاً في فلك يسبحون.

لوح وقلم رفيقان أزليان، كتب القلم زهرة في اللوح فغذت كل الصفحات عنوان لها هي البداية ألا نهاية لها، وهو الامتداد الدائم عليًا فعلى جلاله.

ما أعظم آدم حين يحرث أرض الحلم ويزرعها بالحب والأمل لتزهر ورودًا ورياحين فواحة،

حواء ايتها الحورية يامن تغزلين الخيوط الحريرية بتلك الأنامل الناعمة لتكسي آدم عشقًا وتصنعين له من غزلك اجنحة يُحلق بها في فضاؤك، تتقاسمان تفاحةً حمراءُ شهيةً، هي جنة راضية مرضية.