«المحروس» الشيخ الزاهد بعلمه وتواضعه

«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي» صدق الله العلي العظيم

بقلوب مؤمنة راضية بقضاء الله وقدر تنعى القطيف فقيدها الغالي والعابد الزاهد سماحة الشيخ عباس المحروس «قدس سره».

”إذا مات العالم ثلم في الدين ثلمة لا يسدها إلا عالم مثله“ وأي ثلمة تلك التي فجعنا بها. كان عنوان للزهد والتقى والورع لم تلد بطون الأمهات في زماننا هذا إلا القليل من أمثاله ومثلي لا يحتاج ان يعرف مكانة هذا الشيخ الزاهد الانساني بقلبه وبشخصيته.

وهو غني عن التعريف والجميع أعلم به مني وبصفاته الحميدة والتي انعكست في مجتمعه وأصحابه وكل من يرتادون عليه في مجلسه سواء في مسجد الشيخ علي بن يعقوب او مجلسه الخاص وكل من يشربون من بحر علمه.

شيخنا الجليل ماذا في رحيلك اكتب واسطر حيث تعترض الدنيا بزينتها وتميل النفس بغرائزها ويضعف العقل عندها ويذهل ويخبو نور الإيمان ويتحول ويستولي الشقاء ويحل البلاء. أجدك المحذر منها بشخصك قبل قولك وبنفسك قبل غيرك.

إن القلم يجف والمداد لا يطاوع والقلب يتوقف بدقاته والجنان يقشعر بما لا يستطيع التعبير عن الأسى وبالغ الحزن عما أصابنا من مصاب جلل فقد خسرت الأمة في القطيف وغيرها، منار يقتدى به وانثلم الإسلام ثلمة لا تنجبر، استطاع الفقيد أن يرسمه نبراساً يستضاء به لإحياء تراث آل محمد طيلة فترة احيائه مناسبات اهل بيته وهو على المنبر بصوته الشجي، وبرزت مظاهر آثاره مشعة على جباه الطليعة المؤمنة التي نذرت أيامها ولياليها قدماً على خطى خطباء الطائفة.

فقد أغدق خلال مسيرته كخطيب حسيني متميز بخطبه وبعلمه وحكمته وتواضعه وجهده وحياته ليحقق أسمى ما يرضي الله ورسوله والعترة الطاهرة بكل هدوء وتواضع وزهد.

وبفقد هذا الشيخ الجليل الذي خدم المنبر الحسيني بعلمه وصوته وسلوكه الحسن الطيب وأخلاقه الفاضلة الذي أعرفها عنه أثناء الدراسة وبعد ان ارتدى تلك العمامة الشامخة اثناء فترة ترددي على المسجد ومن خلال زيارته فرأيته مثالاً للأخلاق والتواضع وللورع والتقوى والزهد والعبادة والكرم والسؤال عن الاخرين.

والمتأمل فيه يرى كم كان يخفي وراء تلك العباءة السوداء التي كان يرتديها قلباً كبيراً وعطوفاً وعاشقاً لأهل البيت ، وتلك العمامة البيضاء كبياض قلبه علماً غزيراً وعقلاً راجحاً ورئياً سديداً فطبت يشيخنا حياً وطبت ميتاً إن شاء الله.

وإذا تسابق الناس إلى الدنيا وحيازتها وجدتك في مضمار الفضائل سابقاً ولقصب سبقها حائزاً وبالسعادة فائزاً، وإذا تمسك الناس بحطامها الزائل وتفيؤوا بظلالها المائل وازدحموا عليه واختلفوا فيه تمسكت أنت بزادك الباقي لسفرك الثاني فكنت المفلح فيهم والمغبوط لديهم.

وإذا عجب الناس من بعدك عن الدنيا وما فيها مع زخارفها الفتانة عجبت أنت من تهالكهم عليها وانجذابهم إليها فشتان ما بين الحالين.

إنني أعزي في رحيله الأليم ومصابه الجسير جميع العلماء الأعلام والمراجع العظام وطلاب العلوم الدينية والحوزات العلمية، وعائلته الكريمة.

فرحمه الله من فقيد أعطى العلم والدين عمره وتغمده الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته وحشره مع محمد وآلة الطاهرين.

وانا لله وانا اليه راجعون.

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية