المرأة والقراءة

حين قال أحدهم إذا قرأت المرأة كتابا فكأن زوجها قرأه والأولاد، فإنه كان واعيا للدور الموكل لها في الحياة، إن في المنزل أو في العمل. فهي حين تقرأ فإن ذلك سوف ينعكس بالضرورة على تربيتها لأولادها وهي التي تبقى معهم أطول مدة، كما سينعكس على الاهتمام ببيتها وزوجها وحتى نوعية وطريقة إعدادها للوجبات وما لذلك من تأثير مباشر على صحة جميع أفراد الأسرة.

ولأن المرأة عانت ولا تزال تعاني من حالة من التهميش إما من جانب الرجال في بعض الأحيان أو من بعض الأعراف والتقاليد في أحيان أخرى أو حتى من قبل النساء حين فرضن على أنفسهن نمطا معينا من الحياة بل وشيدن أسوارا عالية منعتهن من الانطلاق في عوالم تحررهن من ربقة الجهل بمفهومه الآخر مع الحفاظ على المثل والقيم حسب كل مجتمع.

وقد ألقت هذه الظروف بثقلها على كاهل المرأة حتى في مفردات اللغة التي يعتبرها الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه «المرأة واللغة» قد أخذت الطابع الذكوري من السنين الطويلة التي استأثر فيها الرجل بكثير من الأمور ومنها اللغة. ولذلك فقد صنفها الغذامي بأنها كانت تحكي بينما الرجل يكتب، كما حصل في الأزمنة السحيقة عندما كانت شهرزاد تروي حكاياتها بينما كان الرجل هو الذي يكتب بلغة ذكورية واضحة. كما دعا الغذامي في مقال له «صحيفة الإتحاد الإماراتية - 20مارس2020» إلى ما أسماه العدالة اللغوية الذي رأى فيه أن النساء أنفسهن لا يقمن بها حاليا بسبب حجم الإرث التاريخي لذكورية اللغة حيث أطلق على الرجل «سيد اللغة».

وكان أمير الشعراء أحمد شوقي تحدث عن المرأة واللغة في اتجاه آخر حين قال مبينا انحياز اللغة العربية إلى تاء التأنيث: الحرف بمحدوديته ذكر واللغة بشمولها أنثى - والحب بضيق مساحته ذكر والمحبة بسموها أنثى - والسجن بضيق مساحته ذكر والحرية بفضائها أنثى - والجهل بكل خيباته ذكر والمعرفة بعمقها أنثى - والجحيم بناره ذكر والجنة بنعيمها أنثى - والتخلف برجعيته ذكر والحضارة برقيها أنثى - والموت بحقيقته ذكر والحياة بألوأنها أنثى.

وعلى هذا فإن المرأة والحالة هذه بحاجة إلى الانطلاق في عوالم الكتب والقراءة أكثر بكثير من الرجل الذي وإن ابتعد عن الكتب فقد فعل ذلك بإرادته وليس بفعل قيود اجتماعية مفروضة. هي بحاجة إلى التوجه أكثر نحو القراءة الفاعلة وذلك من أجل تعويض قرون وأجيال من التهميش الذي وقع عليها إما باعتبارها أنثى أو باعتبارها ضعيفة يقع عليها ما يقع على كل ضعيف. كل هذا من أجل تعويضها عما حاق بها من حيف انعكس حتى على الأمة بأسرها كما قال توفيق الحكيم «إن عقل المرأة إذا ذبل ومات فقد ذبل عقل الأمة كلها ومات». وإذا كان قد وقع تمييز ضد المرأة من أي جهة كانت، فحري بنا أن يكون لدينا نوع من التمييز الإيجابي، وهو يعني فيما يعنيه إعطاءها مزيدا من الفرص أكثر بكثير مما يعطى للرجل حتى يمكن أن يحصل حد أدنى من التوازن وتكافؤ في الفرص مع مرور الزمن بين الطرفين الرجل والمرأة.

· أعشق الكتب، وحين أشتري كتاباً شهيّاً أشعرُ بما تحس بهِ النساء عادة أمام الفراء والألماس، ويسيلُ لعابي الفِكري كجائعٍ أمام رغيفه. غادة السمان