رثاء السيدة زكية الهاشم «أم أمين»: نبراس العطاء وروح الخدمة الحسينية

أم أمين.. سيدة العطاء التي لم تغب عن القلوب

  • من أفراد عائلة العوامي - أم الحمام
  • نقلها عنهم: عبدالله سلمان العوامي
  • يوم الثلاثاء 4 فبراير 2025م، 5 شعبان 1446 هجرية

في ليلة وداعها، لم يكن الفقد مجرد حدث عابر، بل كان كسرًا في قلوب كل من عرفها وعاش روح عطائها. السيدة زكية الهاشم «أم أمين»، زوجة الشيخ الفاضل محمد العبدالعال، لم تكن مجرد اسم في ذاكرة مجتمعها، بل كانت منارة للعطاء، ويدًا رحيمة امتدت لخدمة المآتم الحسينية والمجالس الدينية، وأيقونةً في العمل الخيري والاجتماعي.

وفي ختام فاتحتها، اجتمع المحبون في مجلس تأبيني استذكروا فيه مسيرتها المباركة في خدمة المجتمع والعمل التطوعي، حيث كانت نموذجًا في التفاني والعطاء. عبّر الحاضرون عن حبهم العميق لها وحسرتهم على فقدها، وأجمعوا على أنها تركت أثرًا خالدًا في قلوبهم، مجسدةً الإخلاص في أسمى صوره.

إلى جانب ذلك، لمست من أفراد عائلتي، عائلة العوامي في قرية أم الحمام، مشاعر التقدير والثناء تجاه هذه السيدة الفاضلة، فقد كان لفقدها وقعٌ مؤلم على الجميع، لما قدمته من أعمال خيّرة استحقت بها احترام ومحبة كل من عرفها. دفعني ذلك إلى توثيق بعض الجوانب من حياتها المشرقة، مستندًا إلى ما رواه لي زوجها فضيلة الشيخ محمد العبدالعال، وإلى ذكريات أفراد عائلتي، عائلة العوامي، الذين عايشوها وأدركوا قيمتها الحقيقية.

المعاناة والصبر في مواجهة المرض

بدأت معاناتها قبل سفرها في رحلة تبليغيه خارج الوطن مع زوجها الشيخ محمد العبدالعال لإحياء مراسم عاشوراء، حيث بدأت تشعر بآلام حادة في الظهر وتقلصات شديدة في المعدة. لم يكن واضحًا في البداية مدى خطورة حالتها الصحية، ولكن مع اشتداد الألم، خضعت لفحوصات في أحد المستشفيات في الغربة، وعرف سبب مرضها وهو المرض الخبيث.

وكانت التوصية ان تخضع للعلاج الكيماوي في الغربة او ترجع لوطنها وتبدأ العلاج هناك. وفي هذه الاثناء، تم إعطاؤها مسكنات مؤقتة مع توصيات بمتابعة العلاج عند العودة للوطن.

لكن المرض لم يمنحها الوقت الكافي، فمع تزايد الألم، باتت العودة السريعة إلى المملكة ضرورة ملحة. ورغم ظروفها الصحية القاسية، لم يكن ما يؤلمها جسديًا بقدر ما كان يؤلمها إحساسها بالعجز عن مواصلة الخدمة في المجالس الحسينية. فقد كانت تشعر بالخجل لأنها قطعت المحيطات والقارات بنية خدمة الإمام الحسين ، ولكنها تعود وهي غير قادرة على تقديم شيء. كان هذا الشعور نابعًا من تفانيها وصدق نيتها، لا من قصورٍ حقيقي، لأنها كانت قد قدمت ما لا يمكن أن يقدمه الكثيرون.

عند وصولها إلى الوطن، بدأت رحلة العلاج، لكن المرض كان قد بلغ مرحلة متقدمة وانتشر في أنحاء جسدها، مما جعل العلاجات غير ذات جدوى. سبعة أشهر من الألم، واجهتها بصبرٍ وتسليم، حتى اختارها الله إلى جواره، لتكون خاتمتها كما عاشت حياتها: في رضا وتسليم ووفاء لدينها ورسالتها.

رحيل موجع.. وإرث خالد

في منتصف ليلة الخميس، 15 رجب 1446 هـ  «15 يناير 2025م»، أسدل الستار على حياةٍ كانت عنوانًا للعطاء والتفاني، ورحلت السيدة زكية الهاشم «أم أمين» تاركة إرثًا خالدًا من العمل المخلص في سبيل الله. لم تكن مجرد خادمة للمجالس الحسينية، بل كانت قلبًا نابضًا بحب أهل البيت ويدًا معطاءة لم تعرف الكلل، ونفسًا طاهرة كرّست حياتها لخدمة المؤمنين.

لقد جسّدت المرحومة نموذجًا مضيئًا للمرأة المؤمنة التي وهبت عمرها في سبيل نشر القيم الإيمانية وخدمة المجالس الحسينية، فكانت حضورها الدائم وجهودها المخلصة مصدر إلهام لكل من عرفها. كانت تؤمن أن خدمة الإمام الحسين ليست مجرد واجب، بل شرفٌ عظيم حملته بكل حب وإخلاص، مما جعلها رمزًا للوفاء والتضحية في مجتمعها.

كيف يرحل من كانت حياته كلها حياةً للآخرين؟ كيف تغيب شمس امرأة كانت روحها منارة للأجيال، وحبها للإمام الحسين وقودًا لا ينطفئ؟ لم يكن وداعها مجرد خبر نُقل في المجالس، بل كان وجعًا أصاب القلوب، وانكسارًا أحسه كل من عرفها، أو حتى سمع عنها.

أثرها العميق في قلوب المحبين من أفراد عائلة العوامي بقرية ام الحمام

لم يكن فقدها مجرد حدث عابر، بل كان فقدانًا لقيمة إنسانية وروح خادمة أثرت في كل من عرفها. لقد تركت أثرًا لا يُمحى، وحفر اسمها في ذاكرة المحبين كشخصية ملهمة.

كانت تعتبر نفسها ابنة من بنات عائلة العوامي، ولم تكن ترى نفسها غريبة، بل كانت تشعر بأنها فرد من العائلة بكل ما تعنيه الكلمة، وعائلة العوامي كانت بيتها الثاني وأهلها الذين تعتز بهم.

رحيل السيدة زكية الهاشم «أم أمين» ترك فراغًا كبيرًا في قلوب كل من عرفها، فقد كانت رمزًا للطيبة والتفاني، ولم يكن عطاؤها مقتصرًا على عائلتها أو محيطها الضيق، بل امتد ليشمل المجتمع بأسره. فيما يلي بعض النقاط التي تعكس الأثر العميق الذي خلفته في قلوب محبيها من افراد عائلة العوامي:

خادمة حسينية لا تعرف الكلل

لم تكن تخدم المأتم من باب الواجب، بل بدافع الحب المطلق لرسالة الإمام الحسين ، فكانت تعتبره شرفًا عظيمًا وسبيلاً لنيل القرب من الله.

حضورها في المجالس كان دائمًا، حيث كانت أول من يصل إلى الحسينية وآخر من يغادرها، حريصة على كل تفاصيل الخدمة بنفسها.

لم تكن ترى الحسينية مكانًا للخدمة فقط، بل اعتبرتها بيتها الثاني، تعيش فيه بروح الحب والولاء.

كرمها وعطاؤها اللامحدود

رغم إمكانياتها المحدودة، لم تتردد في تقديم العون، وكانت تجود بكل ما تملك بسخاء نابع من قلبها.

يدها البيضاء لم تقتصر على الحسينية، بل كانت حاضرة لمساعدة أي شخص يحتاجها، سواء في المناسبات الدينية أو الاجتماعية.

كانت تشجع النساء على الانخراط في العمل الحسيني، وتنمي فيهن روح العطاء والمبادرة.

إدارتها للخدمة بحكمة وتنظيم

تميزت بكفاءة عالية في توزيع المهام وترتيب الأمور داخل المأتم، وكانت دائمًا تسعى إلى التنظيم الأمثل لضمان نجاح كل مناسبة دينية.

لم تكن تنتظر أن يُطلب منها العمل، بل كانت تبادر دائمًا بالسؤال:“كيف يمكنني أن أساعد؟ ”

كان لها دور كبير في تهدئة الأجواء عند حدوث أي توتر، حيث كانت تسهم في إعادة الألفة بين الناس بحكمتها وطيبة قلبها.

روحها المتفائلة رغم المعاناة

حتى في أصعب لحظات المرض، لم تفارقها الابتسامة، وكلمتها الدائمة كانت:“أنا بخير، المهم أن نكمل خدمة الحسين ”.

لم تمنعها آلامها من تقديم الخدمة، وبقيت صامدة حتى اللحظات الأخيرة، مصرة على العطاء رغم تدهور صحتها.

إصرارها على الحضور والمشاركة في المجالس الدينية، حتى عندما كان المرض ينهك جسدها، يعكس مدى تعلقها العميق بالقضية الحسينية.

بصمة لا تُنسى في المجتمع

في كل مكان خدمت فيه، سواء في المأتم أو الحملة الرجبية لعائلة العوامي أو غيرها من المناسبات، تركت أثرًا لا يُمحى.

موقفها المشرف في الحملة الرجبية كان واضحًا، حيث كانت عنصرًا فاعلًا في التنظيم، وتقديم العون للمعتمرين بروح المسؤولية.

لم يكن حبها للإمام الحسين مجرد كلام، بل كان أسلوب حياة، انعكس في كل أفعالها وتفانيها في الخدمة.

أبناء مجتمعها يعتبرونها“أمًا روحية”بفضل نصائحها، توجيهاتها، وحنانها الذي لم تبخل به على أحد.

إرثها المستمر بعد الرحيل

حتى بعد وفاتها، لا يزال الناس يذكرونها بالدعاء والثناء، فقد كانت نعم الخادمة ونعم الإنسانة.

محبة لا حدود لها، تجلت في القلوب التي تأثرت بعطائها، والذكريات التي بقيت حاضرة في نفوس من عرفها.

لمساتها، أفعالها، وابتسامتها بقيت محفورة في ذاكرة من تعامل معها، لتكون مثالًا خالدًا يُقتدى به في حب الخدمة والعطاء.

هذه بعض الجوانب التي تعكس الأثر العميق الذي تركته السيدة زكية الهاشم «أم أمين» في قلوب من عرفوها، وستظل ذكراها خالدة في النفوس، لأنها لم تكن مجرد فرد، بل كانت روحًا تنبض بالخير والبركة في كل مكان حلت فيه.

مدرسة في العطاء

لم تكن السيدة زكية الهاشم «أم أمين» مجرد خادمة حسينية، بل كانت مدرسةً في العطاء. لم تكتفِ بالخدمة بنفسها، بل جعلتها منهج حياة، وحفرت طريقًا للأجيال القادمة ليسيروا عليه.

لقد كانت تؤمن أن العطاء لا يرتبط بالحالة المادية، بل بالقلب، بالروح، بالإخلاص. حتى عندما كان وضعها المالي محدودًا، لم تتوقف عن تقديم ما تستطيع لخدمة المؤمنين، وكانت ترى أن كل شيء يُبذل في سبيل الله وأهل البيت لا يُفقد، بل يُبارك فيه.

كانت من أوائل من تطوعوا في الحملة الرجبية لعائلة العوامي، حيث كانت تسهم في التنظيم، تتابع احتياجات المعتمرين، وتحرص على أن تكون الحملة بأفضل صورة. كانت روحها تحلق في كل مكان فيه خير، ولم تكن تبخل بوقتها أو جهدها في أي خدمة ترى أنها ستعود بالنفع على الآخرين.

وداعًا أم أمين.. ستبقين في القلوب

حينما رحلت، بكتها العيون وامتلأت القلوب بالحزن، لكنها لم ترحل عن ذاكرة من عرفها، ولم يغب طيفها عن قلوب محبيها. لقد تركت بصمةً لا تُمحى، وعلّمت الجميع أن العطاء لا يرتبط بقدرة مادية، بل بإرادة صادقة وحبٍ خالص لله.

كانت أم أمين نموذجًا لامرأة وهبت نفسها لخدمة الدين والمجتمع، فاستحقت حب الجميع واحترامهم. لم يكن رحيلها مجرد فراق، بل لحظة وعي بحجم الخير الذي قدمته، ومساحة امتنان لروحٍ عظيمة منحت بلا مقابل، وعاشت بإخلاصٍ نادر.

رحمكِ الله يا أم أمين، وجعل مقامك في عليين مع محمد وآل محمد. ستبقين في قلوبنا، وستظل سيرتك ملهمة للأجيال القادمة، لتبقى قصتك شاهدة على أن العطاء الصادق لا يموت أبدًا.

عبدالله سلمان العوامي - مواليد أم الحمام القطيف شرقي المملكة العربية السعودية مدير تنفيذي سابق في تقنية المعلومات وتمويل الشركات مهتم حاليا بمتابعة: ١) تقنيات الذكاء الصناعي،