قصة هاشم… حين صار المرض مطبخه الجديد

لطالما حلم هاشم، الشاب القطيفي ذو القلب النابض بالنكهات، أن يمتلك مطعمه الخاص… ليس أي مطعم، بل مطبخًا صغيرًا يشبه قلبه، يقدّم فيه وصفاته التي تجمع بين تراث أمهاتنا ولمسات ابتكاره. كان يعشق الطبخ كما يعشق الناس الحياة، يرى في القدر مسرحًا، وفي التوابل شخصياتٍ تهمس بأسرارها.

في سنوات شبابه، نال شهادةً دبلوم فن الطهي، وبدأ يشق طريقه في عالم المطاعم. تدرّج بين المطابخ، من مسؤول خدمات الطعام إلى مساعد طاهٍ، حتى أصبح يدير أحد المطاعم الراقية في القطيف، يبتكر أطباقًا تجمع بين عبق المطبخ العربي ونفَس الحداثة. كان يرى مستقبله ممتدًا بين الموائد العامرة، يتنقّل من نكهةٍ إلى أخرى كفنانٍ لا يشبع من الألوان.

لكن... حدث ما لم يكن في الحسبان.

عندما توقف الحلم…

في عامه التاسع والعشرين، بدأ يشعر بتعبٍ لا يشبه أي تعبٍ سابق، إرهاقٌ غريب، وانتفاخات، ودوخة متكررة. أجرى الفحوصات، فكانت الصدمة: فشل كلوي مزمن، وقد آن أوان غسيل الكلى.

كأن الحياة أطفأت موقده فجأة. لم يعد الطبخ ممكنًا، لم تعد السوائل متاحة كما يشتهي، ولا التوابل كما يحب، بل قائمة ممنوعات طويلة… وكأن نكهات الدنيا سُرقت منه دفعة واحدة.

بدأ الغسيل الكلوي، وفي كل يوم كان يشعر أن حلمه يُسحب منه شيئًا فشيئًا.

يقول هاشم:

”في تلك الأيام، كنتُ أهرب من لقاء أخصائيي التغذية… كانوا يأتون ليُخبروني بما لا يجب أن آكله، لا بما يمكنني الاستمتاع به. ففقدت شهيتي، لا للطعام فقط، بل للحياة ذاتها.“

النكهة التي أعادت الحياة

ذات مساء، وبينما كان يقلب هاتفه بفتور، وقع على صفحةٍ عنوانها: ”مطبخ الكلى“. شدّه الفضول، ففتح إحدى الوصفات… لم تكن مجرد وصفة، بل كانت نافذة صغيرة على أملٍ منسيّ.

بدأ يجرب. أول طبقٍ أعدّه من تلك القائمة، قدّمه لوالدته… فابتسمت باكية، وقالت:

”هاشم رجع... لكن بطعمٍ جديد!“

عاد هاشم إلى مطبخه، عاد إلى ألوانه وروائحه. لكن هذه المرة، كان يطبخ بروح المحارب... يبتكر أطباقًا لمرضى الكلى، قليلة الصوديوم، مدروسة البوتاسيوم، غنية بالحب والعافية.

أدرك أن المذاق ليس في كثرة التوابل، بل في مهارة الصانع. وأن الأمل… يمكن أن يُطبخ.

من المريض إلى الملهم

تحوّلت وصفاته إلى مصدر إلهام، وبدأ ينشرها عبر منصات التواصل. أصبح يتلقى رسائل من مرضى يشعرون بالحياة تعود إلى مطابخهم. لم يعد يرى أخصائية التغذية كخصم، بل صديقة تسير معه في طريق الشفاء، يطلب مشورتها، ويطوّر وصفاته بما يحمي كليته ويُرضي ذائقته.

الرسائل التي يتركها هاشم لنا جميعًا:

”قد يغيّر المرض حياتك، لكن لا تدعه يسرق شغفك. لا تطفئ موقدك… فقط غيّر وصفاتك، وابدأ من جديد.“

الطهي ليس مجرد إعداد طعام، بل وسيلة لاستعادة الإحساس بالقدرة والسيطرة على الحياة.

كلمة مشجعة أو دمعة فرح من أم أو قريب قد تكون نقطة التحوّل لبدء من جديد.

الأمل ليس فكرة فقط، بل يمكن تحويله إلى فعل عملي يعيشه المريض ويمنحه للآخرين.

لا تتوقف عن الحلم، بل عدّل وسائلك وابدأ من جديد بما يناسب حالتك وظروفك.

أخصائي التغذية العلاجية