فإلى متى فقد سئمنا؟!

حسين الجمعان

لا شك أن الإنسان خلقه الله بعاطفة وعقل وعليه خول له الاستفادة مما سخره له في الكون فبنى وارتقى وأسس حضارات لا زال بعضها يشهد على إبداع الإنسان.

فالإنسان بهذين الجناحين يطير ويحلق بعيداً ويعيش في رغد التوازن وهو الذي يمنحه القدرة على التعامل الصحيح مع الأحداث التي تواجهه مهما كانت صعبة وشديدة التعقيد في خيوطها في محيط حياته الخاصة أو في محيطه الاجتماعي والمهني...الخ

و لكن!

ماذا لو تغلبت العاطفة على أبناء المجتمع وأخذت تتجاذبهم عواطفهم الجامحة يمنة ويسرى وغيبوا العقل والحكمة والروية في تناول الأحداث التي تمر بهم وتعصف بوجودهم؟

لا شك أنهم سيزدادون تيهاناً في بيداء التشرذم والقطيعة ولا شك أنهم سيصابون بحمى التعصب لانتماءاتهم «المعصومة» في نظرهم ولا شك أن العصبية القبلية والنزعة الجاهلية ستعود هي الحاكمة والمتحكمة في قدرهم وستخرج مفردات الجاهلية التي اندثرت في القبور وستبعث من جديد في قاموس كلامهم وكتاباتهم...

الحياة اليوم أيها القارئ العزيز رغم كل ما يتواجد فيها من مشاعل هداية ومنارات معرفة إلا أن الجيل الجديد بات يتوق لروح التعصب هذا المرض الذي ما إن دب في مجتمع إلا ونخر قواه وأذهب ريحه وجعله أهون من بيت العنكبوت فصار لقمة سائغة لأعداء وحدته وتماسكه فاندسوا في تلك الفراغات ومن بين خيوطه المتهالكة كالسوسة العمياء فعاثوا فساداً وتخريباً وتدميراً ونشَّطوا في أوساط شبابه نزعة التعصب الأعمى وعبارات الأخذ بالثأر والانتقام تاركين العقل جانباً محكمين الهوى والنفس الأمارة بالسوء بقيادة الشيطان لعنه الله...و يظنون أنهم يحسنون صنعاً!

أيها الأحبة لنزرع بذور التراحم والتعاطف ولنشرب معاً من كأس الطمأنينة ولنركن للحصن المنيع الذي ننضوي جميعاً تحت حكمه ألا وهو العقل الذي به يثيب الخالق وبه يعاقب ولنترك هذه النزعة التعصبية لذواتنا واتجاهاتنا.

لندعو من نقدسهم ونجلهم للالتقاء والحوار... دعوهم يتحدثون عن أنفسهم لا تجعلوا من أنفسكم وكلاء ومتحدثين رسميين عنهم.

فالساحة الفكرية والثقافية مفتوحة للجميع فليطرح الجميع مشاريعهم لأبناء مجتمعهم وأبناء المجتمع هم من يقبل أو يرفض ولكن أيضاً القبول والرفض لا يخرج عن الذائقة الأدبية واللباقة والاحترام المتبادل فلغة الإساءة ونبش القبور واستخراج الجثث مرفوض ومثير للاشمئزاز وليعمل الجميع تحت لواء الانتماء لهوية هذا المجتمع فمن يخرج عنها أو يميل سيجد نفسه خارج دائرة الاعتبار والاهتمام بشكل مباشر أو غير مباشر... دعونا نتحلى بالصبر والنفس الطويل مع أخوتنا دعونا نعبر عن أرائنا ونعالج قضايانا ومشاكلنا بهدوء بعيداً عن التشنج والتعصب ضد بعضنا البعض مما يجعلنا محط السخرية والاستنقاص.

ساءني جداً وأنا أتأمل نشر الغسيل في شرفات مواقعنا الإلكترونية واسترجعت فترة مظلمة عشناها وحمدنا الله أنها انطفأت ولكن بعثتها العاطفة المتعصبة من جديد حينما غُيِّبَ العقل..فمجتمع تتغلب عاطفة أبنائه على عقولهم لن يرتقِ أبداً وسيبقى في دوامة الصراعات الاثنية دون فائدة ولا طائل حلقة مفرغة درنا ولا زلنا ندور فيها اسمها «حب وقول وابغض وقول»

فإلى متى فقد سئمنا؟! فهل هذا هو الحراك الثقافي الذي نتمناه ونفخر به؟