هذي الحقيقةُ قد أضرَّ بها الغيابْ

 

هذي الحقيقةُ قد أضرَّ بها الغيابْ
واعتاضَ واردُ نبعِها ماءَ القِرابْ

ضاعتْ بتلكَ الأرضِ دونَ أدِلَّةٍ
وتعبتُ بحثًا فاسترحتُ إلى الرِّحابْ

فنسيتُ أذَّكِرُ الشُرودَ بِبَعضِهِ
فأقمتُ ينهَشْنَ رُوحَ أسئلَتي ارْتِيابْ

كُثُرٌ تَهيمُ، أكلُهُم ضلّوا سُدًى
أم مثقَلينَ غموضَ ألسنةِ الضَّبابْ

عَبَثًا أسوقُ القلبَ يتبعُ ظنَّهُ
ما تاهَ إلّا الظنُّ يجذِبُهُ السَّرابْ

يا واقفاً عصفَ اليقينُ بذهنِهِ
فأقامَ لا شكٌّ يحولُ ولا حِجابْ

صلّى كأنَّ اللهَ محضر قلبِهِ
وكأنَّهُ بَرٌ يُواريهِ العُبابْ

فكأنّما احتنَكَ الحقيقةَ وحدَهُ
يَمضي يقينًا لا يُجيبُ ولا يُجابْ

هل أوجزَ القولَ المبينَ لسانُهُ
هل راحَ قبلَ الموتِ يدَّرِعُ الإيابْ

فدهاهُ قبلَ العقلِ مَصرَعُ نَحسِهِ
فأتمَّ نافلةَ الغفيلةِ واستجابْ

عجبًا لهُ متمرِّغًا دَمَ غيبِهِ
متقلِّدًا للموتِ أجوبةً صوابْ

لاحَتْ بيَ الأفكارُ تدفعُ بعضَها
وأَنُوءُ من طيني ذهابي والإيابْ

وكأنَّهُ قبلَ الصَّلاةِ أَجابَني
وبعينِهِ البَكماءِ أَفواهُ القِرابْ

هلا أقمتَ على الفلاةِ جنازتي
تبكي عليَّ الرِّيحُ يَسفعُها التُّرابْ

ذَرني بهذا الحالِ أَحضُنْ نِيَّتي
وعبَاءَتي ظَنِّي لتلحَفَني الرُّهابْ

قَدَرٌ قضى بالأمرِ وهوَ مُحكَّمٌ
ولربَّما أزِفَ اللقاءُ وربَّ غابْ

كم قُلتُ داهِنْ لا تَكُنْ مُتسرِّعًا
شَرَكُ البطولةِ يا أَخي مَحضُ انتِهابْ

قارِعْ حِجاجَ القومِ وانسَ حِجاجَهُم
وارفعْ على الأكتافِ ألويةَ الكِذًابْ

وأَقِمْ بأرضِ التيهِ كلَّ كَريهةٍ
تُغني الجموعَ الغافلينَ عنِ الحسابْ

وكأنَّهُ إذْ جُنَّ يَحمِلُ سيفَهُ
ويُغيرُ مُدَّرِعاً بِرُمحَيهِ الغِضاب

ألوى على الإذعانِ يقصِدُ هتكَهُ
ويَحُزُّ أورِدةً تُواريها الرِّقابْ

يَقتاتُ أورِدةً وبشحذِ سيفِهِ
المَلوِيِّ أصحابَ التهافُتِ والخَرابْ

كمْ حدَّثوهُ عن البطولةِ فانثَنَى
كالحمقِ مُنشغِلًا ليَحتَمِلَ القِرابْ

العالَمُ الأرضيُّ مَحضُ حكايةٍ
عنوانُها الإنسانُ يَدرَعُ السَّرابْ

فأجابَ ممتعضًا كبَرقٍ خَاطِفٍ
شَقَّ السَّماءَ بعينِهِ دونَ احتِجابْ

أزمعتُ أمري لا أكونَ مُنادِيًا
إلّا يقينًا صافِيًا بينَ الكذّابْ

مُتلحِّفاً صِدقي فليسَ يَغُرُّني
ذَلِقُ اللسانِ ولا بكاءُ مُستَرابْ

قد كدَّرَ الكذبُ البَواحُ حقيقةً
كانتْ بلونِ الفجرِ أوضحَ ما يُجابْ

فكأنَّما الشيطانُ أطلَقَ جُندَهُ
فأظلَّ مَطلَعَ شمسِنا حتى الغيابْ

فاعلم بأن الأرضَ مَحضُ طريقةٍ
تُكوى بها الأرواحُ صاليةَ التُرابْ

عَجَبًا لهذا العيشِ يَشحَذُ نفسَهُ
بُؤسًا تَرَامَى بينَ أوهامٍ كِذابْ

هي هكذا الدُّنيا سِهامٌ مُرَّةٌ
ما بينَها الأحلامُ تَزحَمُها الحِرابْ

فانظُرْ لِعَفوِ اللهِ وامدُدْها يَدًا
من قبلَ أنْ تُطوَى سيُسعِفُها الجوابْ

هذي دروبُ الموتِ وهوَ حقيقةٌ
ما دونهُ وهمٌ يُبدِّدُهُ السَّرابْ


منصور يحيى
4 / 5 / 1447 هـ
11 / 8 / 2025 م