بين الضجيج والاستفزاز هناك صرخة
لا أحب الهدوء، فهو يبعدني عن الصفحة البيضاء ويجعل الكلمات صامتة، والأفكار بلا نبض، أشتاق للضجيج، للقلق، للاستفزاز الذي يوقظ داخلي ويجعلني أكتب. فالكتابة عندي ليست فعلًا عابرًا ولا تسلية، ولا هواية أمارسها وقت الفراغ، بل وجودًا كاملًا، الطريقة الوحيدة التي أشعر فيها بأنني حاضر ة في العالم، بأنني حية بل ما زلت على قيد الحياة.
- حين يداهمني الهيجان النفسي، يبدأ القلم بالحركة.
كأن الكلمات كانت محتجزة في داخلي، تنتظر لحظة التفريغ لتتحرر. الغضب، القلق، الحزن، الشغف، وحتى التناقض، تتحول كلها إلى طاقة لغوية، لا أكتب لأنني اخترت ذلك، بل لأن النص يطالب بالوجود، لأن شيئًا في داخلي لا يهدأ إلا حين يتحول إلى لغة.
المواقف المستفزّة هي الشرارة الأولى دائمًا، تلك اللحظات التي يصطدم فيها داخلي بالعالم، ويترك الواقع أثرًا لا يمكن تجاهله، عندها تصبح الكتابة ضرورة، محاولة لفهم ما حدث، ولمواجهة ما لا أستطيع تجاهله، النص هنا ليس وصفًا للواقع، بل إعادة تشكيل له، وسيلة لنزع سلطته وتحويله إلى معنى.
- على الورقة، لا أكون مراقبةً محايدةً، بل كائنًا حيًا بالكامل.
أنا في الورقة أصرخ، أضحك، أتألم، أرفض، أناقش، أعبّر، أغيّر، أفرح، أتجاوز، أخطئ، ألعب، كياني كله أراه يتراقص على نغمات الحروف وإيقاع الكلمات.
الورقة ليست سطحًا أبيض، بل مساحة حرية مطلقة، أكون فيها بلا أقناع، بلا خوف من الخطأ، بلا حاجة للتبرير، هناك فقط أسمح لنفسي أن أكون كما أنا.
وعندما أبتعد عن الورقة والقلم، أشعر بالغربة، ليس غربة المكان، بل غربة الذات،
أشعر أنني بلا روح، بلا معنى، كأن جزءًا أساسيًا مني متوقف عن العمل.
الكتابة ليست جزءًا من حياتي، هي ما يمنح حياتي شكلها ومعناها، من دونها، أكون حاضرةُ جسديًا، لكن غائبةً عن نفسي.
الهدوء قد يصلح للتأمل أو القراءة، لكنه لا يخلق النصوص الحية.
الكتابة تحتاج اضطرابًا، تحتاج سؤالًا يؤلم، وموقفًا يستفز، وقلقًا لا يهدأ. تحتاج ضجيجًا داخليًا يطالب بالكشف والقول، الكتابة هي العاصفة التي أحتاجها، وهي الطريقة التي أستعيد بها نفسي من الصمت.
أجزم، أن الكتابة ليست كلمات تُكتب، بل حياة تُعاش على الورق، هي صرخة الروح، لعبها، خطواتها، فرحها، ورفضها. من دونها، أضيع في هدوء لا يشبهني، ومعها، حتى في أكثر لحظات الضجيج، أكون أقرب ما أكون إلى نفسي.






