من يشوه صورة الشيعة وأهل البيت (ع) أمام العالم؟!

حسين أحمد بزبوز

أصبح الخطاب الديني الشيعي المنبري والفضائي الذي يلقيه أو يقدمه بعض المشايخ والعلماء وخطباء المنبر الحسيني الشيعي في الفترة الأخيرة، مادة دسمة لبعض الفئات المتشددة ولبعض القنوات الفضائية الطائفية المعروفة، مثل قناتي: (وصال وصفا ... الفضائيتين).

وكنت أحسب حتى فترة متأخرة، أن الجسم الشيعي الذي تعرض طوال تاريخنا الإسلامي الطويل، لكثير من جراثيم الإحتقان والإستفزاز والإستهزاء الطائفي، فتغلب عليها، أن يظل كذلك ما إمتد بنا الدهر.

خصوصاً، حين نعلم ما اعتمده خطاب الإستهزاء والتشويه والإستنقاص، من لغة بلا شك رخيصة، وبعيدة كل البعد عن الإنصاف والمنطق. وهي لغة إجتزاء البقع المشوهة والملوثة والمريضة في الجسم الشيعي الكبير. لتعرض في النهاية في الفضاء على الناس، على أنها هي حقيقة الشيعة والتشيع الناصعة، التي لا جدال فيها!!!.

ومن الطبيعي والمتوقع، أن يعمد الخصوم لمثل ذلك، لتغطية كل الخصال الحسنة والمناقب الجيدة والصفات الحميدة والآراء المستنيرة والمواقف النبيلة لدى الشيعة، لإبراز القبح والتشوه على أنه حقيقة المذهب، وهو في الحقيقة بالطبع ليس كذلك.

لكن، برغم ذلك كله، فمن الجيد هنا أن نتوقف لنتأمل، ولنسأل أنفسنا جيداً وبعمق: عن دورنا، وعمن أعطى مثل هؤلاء المتطرفين في عالمنا الإسلامي، مثل تلك الفرصة؟! وعمن وفر لهم لوازم ذلك التشويه والنقد الظالم، المجتزيء للحقيقة؟؟؟!!!.

ففي الحقيقة، فإن ما يقتبس وما يجتزأ وما يقتطع من تشوه ديني، لم يأت به الخصوم من خيالاتهم الجامحة، ولا من الفضاء، بل هو فوق ذلك ليس إلا مواقف وآراء وأفكار ومقولات وتصرفات لم تخرج من عامة الناس وممن لا علاقة لهم بالدين وعلومه، بل هي تصرفات وأقوال منتزعة من الواقع، خرجت من بعض العلماء والخطباء الشيعة، وممن حولهم من المؤمنين، وهذا كفيل بالطبع بأن يكشف لنا، أين يقع مصدر الخلل؟؟؟.

فالمسؤول الأول والأخير هنا، إنما هو في الحقيقة، أولئك العلماء والخطباء، ومن ورائهم كذلك بالطبع كل شيعي وكل موالي، قد رضي بالصمت اللامسؤول تجاه التشويه الحاصل ضمن الفعاليات والممارسات الدينية والآراء الشيعية، حين أغلق ذلك البعض معظم أبواب النقد الداخلي البناء ضمن أسوار المذهب نفسه أمام إخوانه المنتقدين بأدب وموضوعية، أو شجع على ذلك الإغلاق والمنع، ليقف سداً منيعاً في وجه التصحيح والتحصين للمذهب، ليبدو في النهاية مشهد الصمت عن ذلك الغثاء الذي يلقى من فوق أعواد المنابر بعد ذلك كله، وكأنه مشهد تسليم ورضى تام وكامل لدى جميع الشيعة، يعطي في النهاية الخصوم كل فرص المبادرات الناجحة للنقد لواقع يبدو حينها متفشياً ومتسالماً عليه ومرضياً عنه، بل وليعطي فرصةً أكبر حينها للهجوم على المذهب الشيعي أسوء هجوم من أجل الإسقاط والتسقيط فحسب، وذلك في لبوس وفي ثوب النقد الموضوعي الحق.

لقد كنا في الفترات السابقة لهذا العهد الذي نحن فيه، أي قبل ظهور الفضائيات، وقبل خروج الإنترنت للنور، نعيش في فضاءات مرحلة يتم فيها معظم الجدل والنقاش المذهبي، خلف الجدران، وبين أفراد الفريق الواحد، ضمن دوائر ضيقة، يسودها غالباً التأييد والعزف على نفس المقطوعة الواحدة، دون أن تسمع خلال ذلك غالباً، أي صوت نشاز من أصواتٍ مخالفة أو معارضة واضحة.

أما اليوم، فنحن في الواقع نعيش في عالم تجمٌّع العقول، والمواجهة والصدام الحتمي للأفكار والتوجهات والقناعات والمعتقدات، كافة. وهو عالمٌ مختلفٌ تماماً. يتواجه فيه مختلف الخصوم مواجهات حادة وجادة. بحيث تنكشف عورات الخصوم أمام بعضهم البعض، في مساحة ليس فيها شيءٌ في واقعنا اليوم، مما يمكن أن يعتبر مما هو قابلٌ لأن يبقى ضمن حدود المستور، أو ذلك المخفي.

وفي مثل هذا الجو المكشوف تماماً، من الطبيعي أن لا يسلم أحدٌ من المسلمين أو غيرهم، من النقد الحاد، ومن جروح التشريح بأمواس نقد المخالفين والمعادين، بل الأقربين والأبعدين جميعاً ومعاً أيضاً. وهنا لن يربح بالطبع من يزكي نفسه.

وهنا، في مثل هذه الأجواء المليئة بالنقد وبالحركة الفكرية ضد المخالفين والمختلفين، وفي جو الثقة شبه التامة لدى الكثير منا بحصانة أبناء المذهب الشيعي الإمامي الإثني عشري، من التأثر بمقولات ذلك الجدل القديم المتجدد، والتي استصحبتها معي من الماضي، كان من الطبيعي لي أن أفاجأ كواحدٍ من الشارع الشيعي القطيفي في منطقتي الشيعية خاصة، بشيعي إمامي من عامة أولئك الناس الذين قد تجدهم في ذلك الشارع أينما ارتحلت فيه، وهو في حال المستهزيء بفخر وسرور ودون أي أسى أو حزن على صورة المذهب، ببعض خطباء ومشايخ الطائفة، يقدح في سلوكياتهم وأقوالهم التي تلقى على الناس من فوق أعواد المنابر، ويذم ما يمارس من سلوكيات في تلك الساحات الدينية، بشكلٍ يتضح من خلاله دون لبس بتاتاً، تعرضه - كما هو واضحٌ من كلامه - لتأثير بعض تلك الفضائيات الطائفية الحاقدة، التي تعرض نقداً غير موضوعي، للشيعة وعلمائهم، بشكلٍ ساخر، يختلط فيه الحابل بالنابل.

نعم، من الطبيعي لمن لا يداوي نفسه من الأمراض، أن تفتك به تلك الأمراض، في نهاية الأمر، ومن الطبيعي أيضاً، لمن يرفض النقد البناء لذاته ولمذهبه، في هذا الزمان المكشوف والمفتوح على مصراعيه، أن يأتيه هجومٌ كاسحٌ من خصومه ومناوئيه، يكشف أوراقه ويفضح عورته ويعريها، ليعرضها في النهاية، بشكلٍ سخيف أمام العالم، ليكون هو في النهاية، أمام الجميع، مثالاً ونموذجاً ملائماً ومناسباً فقط وفقط، للسخرية والإستهزاء. وهو ما تعاني منه حالياً كل الفئات والتوجهات الدينية، بعيداً عن كل تقسيماتها الدينية والمذهبية.

لقد كان من الأسلم لنا واقعاً، منذ مدة، أن نقبل بل وأن نحرض ونشجع، جهاز النقد والمناعة الذاتية، داخل جسدنا الشيعي الكبير. فذلك سبب صحة وسلامة ومدعاة عز وفخر، لا سبب سقم ومرض وهوان وضعف، كما لازال البعض يحسب الأمر كذلك.

ونعم، فإنها حالة واحدة فقط، تلك المشار إليها سابقاً. وقد تكون مجرد حالة شاذة، لشاب شيعي متأثر ببعض تلك القنوات الطائفية المغرضة. لن يمكننا بالطبع، الحكم عليها هنا، بسهولة تامة. لكنها كذلك في النهاية، ومن جهة أخرى، قد تعبر، عن مؤشر حقيقي لظاهرة رفض خطيرة قادمة، أخرجت رأسها للتو. فأتمنى أن لا تكون كذلك، كي لا يتسع الخرق حينها على الراقع، والراقعين أيضاً.

إن نقد المذهب اليوم، من قبل أبنائه، قبل أن يستفحل أمر تلك القنوات الطائفية، وتأثيرها، على صورة التشيع والشيعة، في أذهان الناس، هو المطلب الملح والحل الأمثل للمأزق المعاصر، الذي بات يلوح في الأفق (ربما). ولكن قومنا، لا زالوا اليوم في الغالب، ممن لا يعلمون تعقيدات المرحلة، فليتهم يعلمون ... الواقع.

إن ما يمكن قوله هنا، لمن شوهوا صورة هذا المذهب الناصع، بأقوالهم وتصرفاتهم غير الناضجة، من أبناء المذهب أنفسهم، هو: "كفى تشويهاً للمذهب الشيعي ... وكفى إعطاء فرصٍ للمتربصين ... وكفى تساهلاً مع ذلك الغثاء الذي يلقى من فوق أعواد بعض المنابر ... وأتمنى في النهاية أن لا يأتي ذلك اليوم الذي يقول فيه الناس ... بعد إغلاق بوابات النقد الداخلي الهادف للإصلاح والتصحيح والتحصين المستمر ... أن رائحة العلماء المتخبطين في فهم الدين قد فاحت ... بعد أن فشى فوق أعواد المنابر ذلك العزف غير الذكي على أوتار العواطف ... وذلك الاستخدام السيء للأنواع الرديئة من الخرافة والوهم ... الذي أغفل أن الإنسان المتدين الشيعي وغيره ... ليس مجرد عاطفة فحسب ... بل هو عقل كذلك أيضاً".

وأخيراً، ومن باب النظر من الزاوية الأخرى، من الجيد أيضاً أن نتوقف عند "أبو مشاري" من الرياض [1]  ... لنتدبر ... ونتأمل صورة بقية المذاهب الأخرى ... فالتأثير متبادل.

وفي الختام، فلنتوقف كذلك أيضاً، عند أنف السيدة عائشة الأفغانية [2]  ، ومن يشوهون صورة ذلك الإسلام الفطري الناصع، الذي يعرفه صاحب كل قلبٍ سليم وفطرة سليمة. لننتقد، من باب المسؤولية والقيام بالواجب والدفاع عن صورة الإسلام الناصعة، تلك التصرفات الوحشية والغبية والحمقاء واللا إنسانية. التي تمارس باسم الدين، والتي لا تمت للإسلام بصلة.