من (ترومسو) إلى (الخبر).. سلام

(الحق بحرية التعبد) مقابل (الحق في الحياة)

آمنة جميل الفرج *

"سيكون من غير الطبيعي الموافقة على تمويل مصدره بلد لا توجد فيه أي حرية دينية". هذا ما صرحت به المتحدثة باسم وزارة الخارجية النرويجية "راجنيلد إيمرسلوند" في 8 نوفمبر 2010، في اطار تبريرها رفض حكومتها الموافقة على بناء مسجد بتمويل سعودي في مدينة ترومسو النرويجية. ويبدو ان هذا الرفض ذا مصداقية لما يعانيه اتباع الديانات الاخرى غير الاسلامية والمذاهب الاخرى الإسلامية غير الوهابية من تضييق على الحريات الدينية ومعاقبة اتباعها بحجة الشرك والكفر.

الرد السعودي

لقد مضى وقت طويل على نشر هذا الخبر على أمل أن نسمع رداً حكومياً سعوديا على هذا التصريح، لكن يبدو أن الصمت في بعض الأحيان هو إجابة في حد ذاته.

 وإذا كان الأمر عكس ذلك، فهل يا ترى سيفاجئنا وزير الخارجية أو أي مسؤول كبير آخر باحتجاج على القرار، او الطلب من الممولين السعوديين من المقربين للهيئات الدينية بناء مسجد في بلدة اوروبية اخرى! او الرد على الحكومة النرويجية بالقول انها متحيزة ضد كل ما هو اسلامي.

كان يمكن لوزير الداخلية ان يحس واخوته بأن العالم يدرك الطبيعة القمعية لنظام الحكم وحليفه الوهابي والذي يضيق على الحريات الدينية ليس فقط تجاه المسيحيين المقيمين او العاملين في السعودية وانما ايضا للمسلمين السعوديين في اكثرهم والذين لا ينتمون الى المذهب الوهابي.
كان يمكن للحكومة السعودية وبالخصوص لوزير الداخلية أن يغير من سياسته تجاه المواطنين الشيعة مثلاً والذين حرمهم من بناء المساجد لعقود طويلة ولازال يطارد المساجد ويغلقها كما في الخبر.

كيف يمكن فهم حقيقة ان الحكومة السعودية والامراء يبنون مساجد في كل اصقاع العالم ويمنعون مواطنيهم من بناء مساجد خاصة بهم وعلى نفقتهم الخاصة؟

وكيف يمكن ان نقتنع بمدعى حوار الاديان ومزاعم التسامح التي تطلقها الحكومة السعودية في حين انها تمنع الحد الأدنى لحرية العبادة لمواطنيها؟

قرار نايف ومبرراته

لقد اتخذ وزير الداخلية نايف قرارا جائرا بحق الشيعة بمنع بناء مساجدهم خارج مناطقهم التاريخية متجاهلاً حقيقة ان المنطقة الشرقية بمجملها هي منطقة سكن الشيعة التاريخي، وانهم ينتشرون في غير المدن التاريخية الى المدن الجديدة. ولا يعني الانتقال الى مدينة جديدة في نفس المنطقة ان حق المواطن في حرية العبادة يسقط.

قرار نايف يعيد الى الذاكرة توصيات الشيخ المتطرف ناصر العمر والتي أصدرها سنة 1412هـ، والتي دعا فيها اضافة إلى تقليص عدد الشيعة وتحجيمهم، ان يجري التضييق عليهم والسيطرة على مساجدهم ومنعهم من الصلاة إلا وراء مشايخ الوهابية. فقرار الأمير يبدو وكأنه ترجمة لفكر وتوصيات ناصر العمر.

للأسف، فان الحكومة ـ ممثلة برجال المباحث والشرطة ـ قد تجاوزت إغلاق المساجد إلى درجة إعتقال أصحاب المنازل التي صلى فيها الشيعة بعد إغلاق المساجد، وكأن حال الجهات الأمنية كرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الشرطة الدينية - ولكن بالمقلوب، فشعارهم: "لا صلاة، لا صلاة".

تضاربت الأقوال حول إغلاق المساجد في مدينة الخبر قبل صدور قرار المنع، وكانت الحجة حينها أنه لا توجد تصاريح لبناء تلك المساجد، مع العلم أن بعضها مضى على بنائه أكثر من خمسة وعشرين عاماً. أما بعد صدور القرار، فقيل أن إغلاق مساجد الشيعة كان بحجة أمنية.
فإذا كان الحال كذلك، فلماذا لم نسمع عن إغلاق اي من المساجد التي خرجت منها فتاوى التحريض على القتل والكراهية، وتلك التي فرخت الارهابيين وربتهم ؟

الامير نايف يعزو اغلاق المساجد الى اسباب أمنية، في حين أن الجهات الأمنية تعلم تماماً أين مصدر التهديد وإثارة القلاقل. فالحري بها أن تحاصر هذا المصدر المتمثل بالتيار السلفي المتشدد (سواء كان الموالي للحكومة او المعارض لها) لا أن تمنع المُهدد/ الضحية من ممارسة حريته الشرعية، سواء كان من الشيعة أو أي جهة مستهدفة بالإرهاب.
ماذا يعني كلام الامير بأن اغلاق المساجد جاء لاسباب امنية؟ هل المقصود أن مساجد الشيعة مستهدفة من قبل التيار السلفي المتشدد بالإعتداء عليها بالتفجير مثلاً؟ إذا كان هذا هو المقصود، فأين دور الدولة في توفير الحماية للمواطنين الشيعة؟ وهل من المعقول أن يعامل المواطنون الشيعة بهذا المساومة التخويفية الإبتزازية، أي اغلاق المساجد ثمناً للحصول على حماية الدولة، او (الحق بحرية التعبد) مقابل (الحق في الحياة). ان غياب دور الدولة في حماية الشيعة يعني إضطرار الشيعة لملئ هذا الغياب بأن يدافعوا عن أنفسهم بأنفسهم.

مواجهة التمييز والقمع

يتعرض شيعة الخبر إلى التمييز الطائفي كالحرمان من الحرية الدينية، ويعاقبون بالسجن من قبل أدوات ما يوصف ببلد الأمن والأمان متمثلة بالجهات الأمنية والدينية كجزء من قمع حرياتهم في ممارسة شعائرهم الدينية.

 إلا أن الشيعة في الخبر لم يجزعوا أو يتراجعوا بل تحملوا كل هذا القمع والتمييز. إمامة السيد محمد علي الناصر مع صفوف المصلين من خلفه، قدمت أروع الصور في التعبير سلمياً عن رفض الظلم، والاصرار على ممارسة حق التعبد المشروع.

وقد حاول الوجهاء الشيعة عبر زياراتهم المتكررة للجهات المسؤولة إيجاد حل لمشكلة إغلاق العديد من المساجد والحسينيات ودور العبادة خاصة مصليات الخبر، ولكن دون جدوى.

لكن لشيعة السعودية تجارب في التضحية والتمرد على الظلم وقد أثبتوا ذلك في أحداث المحرم من سنة 1400 هـ وأثبتوا ذلك مرة اخرى في أحداث البقيع 1430 هـ. فلا ينبغي أن يفسر صمتهم بالخوف أبداً.
 

خلاصة

الأمير نايف هو الرجل الأقوى في الدولة وهو المرشح الأول لتولي سدة الحكم بعد الملك عبدالله، ويبدو أن التضييق على الشيعة يأتي من باب إسترضائه للتيار السلفي المتشدد غير المرضي عنه محلياً او دولياً. وبغياب الملك عبدالله، ستغيب مبادراته معه من حوار أديان وحوار وطني وما يحلم به المجتمع من بوادر إصلاح.

الأمير نايف الذي يرفض إستخدام كلمة "إصلاح" وإستبدلها بكلمة "تطوير" ليس من المرجح أن ينقلب على تياره السلفي المتشدد الذي طالما دافع عنه صراحةً. وإذا كان الحال كذلك، فإن السعودية مقبلة على حالات لإنتهاك حقوق الإنسان بشكل أكثر مما كانت عليه في السابق، مما يجعلها تحت إهتمام وضغط دولي أكثر، وبالتالي قد يكتشف الأمير نايف متأخراً أنه راهن على الحصان الخاسر سياسياً، وقد يضطر للرضوخ إلى الضغوط الدولية بإعطاء فسحة من الحقوق أكثر.

العوامية – السعودية