العمير نحن نعيش في منطقة أكثر وعيا وحركية من الآخرين
يبدو منفتحا على الآخر مهما كانت درجة أختلاف هذا الآخر عنه في مذهبه أو طائفته، يقبل الحوار ويشجع عليه ويجده الحل لكل المشاكل والأزمات.
العمير المولود في التوبي من عام 1979م من الداعين للوحدة الإسلامية ويرى بأن المحرض على الطائفية يجب أن لا يتساهل معه، هو نفسه الذي يقبل على الأختلاف الفكري بكل رحابة صدر.
محمد مدن العمير رجل دين شيعي ما زال يواصل درسه في بحث الخارج فقها وأصولا في حوزة قم ويحضر للماجستير في نفس التخصص رئيس تحرير جريدة المرفأ ومدير عام المركز الإسلامي المعاصر ومدير تحرير مجلة أصول.
له من المؤلفات: إثبات الهلال فلكيا، الأجوبة الفقهية على المسائل التاروتية.
كان لنا أن نلتقي بــ"العمير " في جلسة شيقة أتسمت بالصراحة طرقنا فيها العديد من الأبواب وكنا نود أن تطول هذه الجلسة لولا علمنا بأن المساحة للنشر محدودة والقارئ يمل من طول المكتوب.
إستراتيجية مؤتمرات الوحدة والتقريب في كل العالم الإسلامي تتمحور حول اللقاء والتواصل بين أطياف المُجتمع الإسلامي وهذا هو الهدف الأساسي وأما الخروج بمشاريع إستراتيجية سياسية فهو خارج عنها، وإن كان هدفا تسعى وتطمح له ففي بعض اللقاءات وبعض المؤتمرات محاولات لتقديم بعض التوصيات للمؤسسات السياسية ومصادر القرار السياسي لكن كُل هذه المؤتمرات تُعتبر توصياتها بمثابة القرارات الاستشارية أو التوصيات ليس إلا، لذلك لا يُمكنك أن تطلب مثلاً من طبيب أن يخرج عن تخصصه فيما يقدّم من توصيات ولا من عالم دين كذلك ولا من أي شخص آخر.
هذه المؤتمرات وظيفتها في الأساس هي التواصل، إثبات أن الجو المنفتح بين الأطياف وبين الأديان وبين المذاهب هو جو يجب أن يسود، لذلك لا يُمكننا أن نُرهق كاهل وظهر هذه المؤتمرات بما لا تستطيع القيام به، وبما هو خارج وسعها.
المشّكلة الأساسية أين؟
في هذه المؤتمرات يجب - وقد ذكرت هذا في مجموعة أوراق قدمتها لبعض المؤتمرات - أن تتحول لغة الوحدة الإسلامية إلى لُغة ثقافية جماهيرية وليست نخبوية فقط، بدلاً أن نبقى في أطر المؤتمرات بين علماء النخبة - نخبة العلماء - لابُد أن نحرّك هذا الجو في الشارع، لذلك دعوت إلى مؤتمرات شبابية يكون فيها مؤتمر اللقاء الإسلامي الإسلامي، والإسلامي المسيحي والإسلامي السني الشيعي كُله بمنظور الشباب كي يكون هنا من خلال برامج تنموية مُشتركة بين الأطيّاف الشبابية بين المناطق الجغرافيّة المُتعددة أن نعيش أُفقاً مشتركاً لأن هذا هو المسار العملي للوحدة أما المسار النظري انتهى الحديث عنه.
أُعطيك مثالاً:
كُنا مع أحد علماء السنة في الرياض فكان يقول أيام الحرب على العراق - وتعلمون مستوى الأزمة الطائفية في مرحلة الحرب على العراق - أنا تصلني يومياً تقارير عن قتل الشيعة للسنة ويومياً تصلني اتصالات استغاثة من السنة أن الشيعة يُريدون قتلنا، فقلت له:
ولا تصلك استغاثات الشيعة؟
لابد أن تبحث ما هو الفعل وما هو رد الفعل في الموضوع، هل الشيعة هم من قتل السنة أولاً أم العكس - هذا يجب أن يُدرس - على أن ردات الفعل غير مبررة شرعا، لذلك يجب أن لا نستغرق كرموز إسلامية وأي إنسان نخبوي بمستوى عالم الدين الكبير أو المُفتي يجب عليه أن لا يخضع لتيارات العاطفة في إدارته للأمور وإلاّ سوف يقع في فخ العاطفة الجماهيرية المُؤقتة وسوف يبعدوه عن أهدافه الإستراتيجية، هذا من أحد الأسباب الأساسية.
من الأسباب الأساسية الأُخرى أن بعض النجوم اللوامع في عالم التقريب إنما هم يتحركون لأجل تعميق مصالحهم العملية - هم لأن لديهم مؤسسات تقريب ولديهم مؤسسات دراسات الوحدة والتعايش - فبالتالي هذا أحد الوظائف العملية وليس رسالته إستراتيجية، لذلك حينما الجهة السياسية التي تموّله مالياً حينما تنقلب على أي وضع طائفي في منطقة ما فإنه سوف يتبع تلك الجهة المانحة، وهذه ليست مُشكلة بعض العلماء فقط إنما هي مشكلة بعض المُثقفين اللامعين في الصحافة والفضائيات يسيرون أينما تسير مصالحهم السياسية والمالية بالخصوص.
أثبتت التجارب بأننا ننفعل بامتياز مع الأجواء الطائفية، وأن السنة ينفعلون بامتياز كذلك، في تجربة البحرين نموذجا صارخا:
بعض أصدقائي في البحرين يقول أنا موظف من أكثر من عشر سنوات في دائرة معنا إخوة وأخوات من أهل السنة وكنا أصدقاء وكانت الحميمية بيننا في مستوى عالي، الآن في أحداث الثمانية الأشهر الأخيرة كانت الموظفة زميلته تقول له:
«في كُل ليلة أنام وتحت وسادتي سكين من أجل أن لا يأتي رافضي لقتلي»!!!
بالرغم من أنهم عاشوا أحباباً وإخوة لمدة طويلة من الزمن.
أثبتت التجارب بأن السياسيين يُفلحون حينما يوقعون الناس في أزمة الطائفية، ولهذا جذران:
1/ جذر نفسي، الناس تنفعل حينما تسب رموزها، وأنت تنفعل حينما تُشتم رموزك، لذلك الجذر النفسي طبيعة مهيمنة علينا، لأن هناك إنسان هتك مقدساتي لا بُد أن أهتك مقدساته، هذا جدر نفسي خطير، لذلك لابد أن نترفع عن المستوى العاطفي وردات الفعل لمستوى صناعة القرار.
2/ ليس جذراً نفسياً وإنما هو جذر مرتبط بالوعي، هذا الجذر المرتبط بالوعي له بعد ثقافي عميق وهو أنه ما هي الأولويات في العالم الإسلامي..؟
من الذي يّدير القرارات في العالم الإسلامي..؟
من الذي يُدير شؤون الشرق الأوسط..؟
لماذا الأزمة الطائفية هنا..؟
لماذا الأزمة الطائفية الآن..؟
لذلك لابُد أن نكون ذوي بصيرة، هذه البصيرة هي التي تقودنا إلى معرفة ما الحدث في هذه اللحظة، ولما هذا الحدث في هذه المنطقة الجغرافية، ولماذا الآن ولماذا ليس بالأمس ولماذا ليس بالمستقبل، هُناك أهداف عالمية أو محليّة إقليمية تقوم على أساس إشغالنا بالقضايا الطائفية.
هُناك من النماذج المُضحكة في هذا المجال كان أحد بواعث القلق والتوتر النفسي عند علماء السنة على علماء الشيعة في العراق أن الشيعة في العراق استقبلوا الأمريكان على دبابات وفرشوا لهم الزهور كما يقولون، فكانت مادة مشتعلة لإشعال الطائفية، الآن من أدخل الأمريكان في ليبيا..؟
ومن أدخل الإتحاد الأوروبي في ليبيا..؟
وكم سقط في العراق وكم سقط في ليبيا من شهيد..؟
لماذا هُنا حروف الجر تجر وهُناك لا تجر..؟!
إذاً نحن ذهبنا لضحية رهانات السياسيين علينا فأثاروا مسألة الطائفية كأفضل حل وأفضل أداة.
إذاً المُشكلة ليست مُشكلة وعي الناس فقط، بل هي مُشكلة ماذا يُريد السياسيون؟ وما هو مقدار بصيرتنا؟ ما هو مقدار وعينا في محاربة هذا النوع من الدجل السياسي باسم الطائفية؟
نعم يوجد قناة فضائية مثل «فدك» اشتغلت على أساس التحريض، أنها تؤمن أن التحريض هو أفضل طريقة لكشف زيف التاريخ - كما يقولون -، وهو في الحقيقة أسلوب خاطئ ومنهج خاطئ، لكن بقية الخطباء أنا أعتقد لا يوجد مشروع تحريضي عند الشيعة فقد بحثت وتابعت ولم أجد، نعم هُناك وجهات نظر تقول هذا ليس زمن تقية مثلاً هُناك وجهات نظر تتحدث بأن لابد أن الشيعي يتحدث بصراحة، أنا أرى هناك عفوية وبالتالي لا يوجد إنسان يقول أنا لديّ مشروع تحريض كما يفعل السياسيون وكما يفعل للأسف بعض علماء البلاط والمدعومون سياسياً - هذه هي المُشكلة - والملاحظة الأساسية:
ليس كُل ما يعلم يقال، ولذلك بعض علمائنا أعتبر أن بعض الخصائص الشيعية هي من الأسرار التي لا يجوز كشفها، وبغض النظر عن سلامة هذا الرأي - أنه هُناك أسرار يصح كشفها أو لا - يجب أن يعلم الخطيب الحسيني أن الزمان قد تغيّر فلا يوجد الآن منبر محلي، لا يوجد منبر خاص بمنزل أو حسينية، يحتمل أن الخطاب في المنزل أو داخل الحسينية قد سجل ورفع على اليوتيوب أو على وسائل الإعلام الحديثة فبالتالي على الجميع - علينا جميعاً - على كُل من يتحدث عن الإسلام وكُل من يتحدث على أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام أن يُراعي الخصوصية في الوقت الذي يراعي فيه الشأن الإسلامي العام.
فبالتالي من يقصد..؟؟
يقصد صغار لا ينتقدون بعضهم بعضاً مثلاً؟!
وبداية تجربة العراق بيانات سماحة السيّد السيستاني واضحة في الالتقاء مع السنة وكانت من بعض الكلمات المشهورة لسماحة السيّد حفظه الله «لا تقولوا للسنة إخواننا بل قولوا لهم أنفسنا»
ما هو المطلوب أكثر من ذلك؟!
يجب أن نفصل بين الحديث الطائفي والسياسي والمذهبي.
هذا لا يعني أننا نقبل هذه الشروط التي افترضوها، أي شروط تُفرض على طاولة الحوار في التقريب بين المذاهب أو غيره يجب أن تُناقش ليس من الصحيح أن يفرض طرف واحد من جهته بعض الشروط ليقبل بها الآخر قسراً.
أو يعمل على أسس القواعد الفكرية الهادئة، لا يوجد إثارة في ذلك.
الإثارة هو ما نعانيه في مدارسنا من أحادية التفكير المذهبي فيما هو موجود في كتب العقيدة والتوحيد في المناهج المدرسية الرسمية.
في مناطق الأقليات يجب أن تكون كل الدراسات دراسات مُقارنة وليست دراسات ذات اتجاه واحد أن تكفّر هذا وتُضلل ذاك.
القبول بهذا الشرط له لوازم بأن جميع المواطنين من نفس الدرجة وله لوازم هي أن تأخذ طقوسك بشكل طبيعي بما لا يجرح الآخر.
بعبارة أُخرى: نحن لا نطالب فقط بأن يكون للشيعة وزير كذلك بقية الأطياف.
حينما نُطالب بأن يكون لدينا مُمثلين في مواقع القرار السياسي لا يعني أننا نرفض أن يكون للآخرين كذلك أما أن نقصى ويُقصى الآخرون فليس مُبرراً أن الآخرين تم إقصائهم أن لا نتحدث بحقوقنا، المطلوب إذا كانت هُناك مجالس أو أروقة للسياسة يمكن أن تتعدد فيها الأطياف فنحن نريد أن نشارك.
الفقر موجود في مناطق المملكة في الرياض، سوء الخدمات موجود في كل المناطق حتى السجناء يفوقونكم عدداً لكنكم أنتم فقط من تصرخون بالمظلومية..؟!
نحن نمارس وطنيتنا، ومن وطنيتنا أن نرفع صوتنا عالياً وأن نطالب بحقوقنا، الآخرين الذين لا يُطالبون بحقوقهم هذا شأنهم.
ليتفضلوا ولينظروا كم مسجداً لهم في طهران..!
يجب على الحقوقيون الذين يتحدثون أن يقومون بجولات ميدانية ليعرفوا.
من حقك أنت الشيعي أن تتحدث في أفكارك، الآخر تعجبه أو لا تعجبه هذا ليس شأننا
شأننا هو أن نتحدث بأدب عن آرائنا، أن نتحدث بأخلاق عن علوم أهل البيت لا يعني احترامنا للسنة أن نبتعد عن خصوصياتنا وهذه من أحد المفاهيم الخاطئة التي أُخذت كسلبية على التقريبيين وهو أنهم يميعون المذهب أو يميعون الأفكار وهذا غير طبيعي، أكثر الناس الذين يحمون ويحصنون المذهب هم التقريبيون بإعتبار أنهم في الأروقة التقريبية وفي أروقة المؤتمرات يطرحون آراء أهل البيت بقوة ويدافعون عنها لكن بطريقة تتصالح مع الآخر لا تتعارض مع الآخر، لا تثير الآخر، كل فكرة تستطيع أن تطرحها بطريقتين، بطريقة هادئة وبطريقة مثيرة ونحن لا نُريد الطريقة المثيرة.
الجدل الطائفي جدل عقائدي فبالتالي إما أن يكون الحوار على أصوله الثابتة، على أصول عقلانية في الحوار تنطلق من الحديث في المسلمات ومن ثم التفاصيل أو لا،
لا معنى للذهاب مباشرةً في رأي الشيعة في الصحابة ورأي الشيعة....، هذه الاسطوانة المشروخة التي تكرر دائماً، ما يكررونه هو الحديث في تفاصيل التفاصيل، أما أن يكون الحوار المذهبي قائم على أسس علمية وإلاّ فلا، كُل طائفة تحترم الطائفة الأخرى وكفى.