حتى يحج الجميع

 

 

 تبدو أوضاع صعود أسعار الحج المطردة منذ ثلاث سنوات خلت آخذة في الازدياد، ولا توجد علائم مستقبلية قريبة للحد من جشع الشركات المتملكة للخيام في المشاعر المقدسة. حتى أصبح حج الزوجين يتطلب ما قيمته بين 25000 – 30000 ريال بما هو أغلى من سفرة سياحية خارج البلاد.

قال أحدهم: في السنوات الماضية لم أكن قادراً على الحج، حيث بعض الديون التي أسقطت شرط الاستطاعة عني، والآن وبعد استيفائي لها يبدو أن الاستطاعة لن تتحقق مرة أخرى والسبب ارتفاع الأسعار!. أقول: مع شديد الأسف الكثير منا يتهاون في أداء فريضة الحج بمجرد أن يصبح مستطيعاً وتتعلق الفريضة بذمته، فإما بدواعي أنه سيحج العام القادم، أو بعد استكمال مشروع الخطوبة، أو شراء سيارة وما أشبه من الأمور التي في أغلبها لا يقدمها الشرع على فريضة الحج إلا في حالات مشروطة وبأضيق الخيارات، كما لو كان تأخير الزواج شاقاً عليه بحيث – مثلاً- يؤذي إلى انحرافه. وبذلك يكون قد أصبح مستطيعاً وتهاون في أداء الفرض، فيجب عليه الحج في السنوات التالية حتى وإن كان مديوناً ويحج ولو متسكعاً كما يرى الفقهاء.

وحتى يتمكن الفرد متوسط أو محدود الدخل من الحج بأقل التكاليف فإن الحل المتاح هو الاستفادة من الفتاوى الموجودة فيما يتعلق بتجاوز نقطة الغلاء وهي المخيمات في مشعر منى وعرفة. فمشهور الفقهاء يجيزون أن يستعيض الحاج عن المبيت في منى متعبداً في مكة أو البيت الحرام مع اختلاف في مسألة سعة وضيق وقت التعبد البذلي، وهذا ما ينبغي استثماره لمن عزم على الحج ولا تسعفه الأسعار المتزايدة.

وحتى تخلو المسألة من مجرد التنظير، يستطيع كل عدة أفراد تعلم مسائل الحج أو الاتفاق مع من هو على اطلاع من المرشدين أو ممن هم مدمنين على الحج كل عام للذهاب معهم وإرشادهم لأعمال الحج كاملةً. فيقوم أولئك الأفراد باستئجار شقة خاصة للمعيشة خلال أيام الحج في أحد الأحياء الحديثة. أما بخصوص الوقوف على صعيد عرفة فوقته من زوال شمس يوم عرفة حتى غروبها، وبهذا يمكن الجلوس في أي بقعة داخل حدود أرض عرفة حتى انقضاء المدة والقيام بأمور تعبدية ومن أهمها الأدعية حتى يتصرم الوقت. أما عن الذبح فبالاستطاعة الاتفاق مع أي من حملات المنطقة للقيام بالمهمة بالشكل الصحيح.

وليست المهمة بالصعبة أو المستحيلة وهناك من درجوا عليها سنوات عديدة عارفين بما للحج المستحب من ثواب بل ثواب كبير من خلال ما درج على تسميته الحج الإبراهيمي القائم على المشقة في التنقل مشياً على الأقدام. وكثيراً ما يواجه أحدنا سواء في الحج أو العمرة المفردة معتمرين أو حجاج من خارج البلاد يأتون فرادى ويسألون عن ما يتوجب فعله سواء في الطواف أو السعي أو الرمي وما أشبه وهو بثوبي الإحرام، ومع الاختلاف في كون هذه الطريقة تحمل الكثير من الأخطاء في أداء المناسك إلا أنهم أصروا على الوصول وقد وصلوا وفي اعتقادهم أدوا العمل بأفضل ما يكون فهل ذلك يصعب على من هم في عز الشباب والقوة البدنية؟

ربما الحج بشكل مجاميع فردية ليس سهلاً على النساء، ولكن لو تمكن الرجال والشباب في مقتبل حياتهم من أداءه بأقل تكلفة فإن مسألة حج المحارم لن تثقل كاهلهم كما لو كانا شخصين بمبلغ باهظ. وهنا على الإنسان الالتفات إلى الروايات المتعلقة بمن يسوف أداء فريضة الحج حتى يعرف عظم ما للفريضة من منزلة في الإسلام.
فمتى ما عزم الإنسان على الحج ووضع أمامه كل البدائل والسبل الممكنة التي يبحث عنها بإصرار فإن توفيق الله ومباركته ستحيطه حتى يؤدي ما يرضي الله وما فيه طاعته.
نسأل الله أن يجمعنا وإياكم في عامنا هذا وفي كل عام.