منير الحجي: الفن المفاهيمي فوضى وعبث لإقناع المتلقي برقي الفنان
يسعى الفنان السعودي منير الحجي للكمال في الفن، فهو متماه حد الانغماس بطبيعة البيئة المحيطة به، يخاف من المرأة ويخاف عليها. فنان لديه مشاريع كثيرة ومعارض جاهزة، لكن اجهضها إغلاق صالة نادي الفنون في مركز الخدمة الاجتماعية مؤخرا في القطيف، فتبخرت أمنياته وامنيات المئات من الفنانين بعد أكثر من عقدين من العمل المتواصل في المركز. يرى الحجي في غياب الفنانين الكبار فعل احتجاج لما يحصل في الساحل الفنية من مجاملات، غير أنه يعتقد أن الخضرة وزرقة البحر تجعل من استمرارية الفن والأحلام ممكنة. «الحياة» التقته فكان هذا الحوار معه:
> تعد من أكثر من تناول الموروث من فناني المنطقة الشرقية وتفاصيل البيئة؛ ما الذي يجذبك لهكذا أعمال، هل هو الحنين أو ما تهبك إياه من عناق متأصل في النفس؟
- في الحقيقة أن ما يشدني لرسم الموروث الشعبي اقدر اسميه «الحب الحقيقي». إذ ان لكل فنان هاجسا يشغل تفكيره سواء بالاهتمام به أو بتسخير كل امكانياته ليحصل على رضاه، وهو ينمو ويتزايد بكثرة هذا الاهتمام المتبادل للطرفين المحب والمحبوب لاسيما اشتراكهما في المكان والزمان. صادف مولدي واقامتي في منطقة ضاربة في القدم بكل ماتحمله الكلمة من معنى «قلعة القطيف» الاثرية مخضبة بكل ثقافاتها المادية والمعنوية. ولم أغادرها إلا مع هجرة سكانها منها. حيث بداية دراسة المرحلة الجامعية. فتشبعت حواسي حبا واهتماما ومسؤولية.
> انتقلت بعدها للتجريد مع مجايليك في تجربة أو مرحلة فنية تميزت باستخدام الخامات والكولاج، ومع هذا لم تتخلص تماما من التأثيرات الشعبية، مثلا كأن تدخل الشباك والزخارف في لوحاتك، كما أن تجربتك تركت تأثيرا كبيرا على بعض الفنانين الشباب، كيف تعد تلك المرحلة وتستذكرها؟
- نعم. مرحلة الخامات البيئية بمواضيع تراثية. هي مرحلة ليست ثانية. وانما. سبقتها كذا مرحلة وأسلوب. هيئتني اليها مثل الانتقال من الألوان الزيتية الى الألوان المائية، وأيضا تغيير الأسلوب الناعم في التعامل مع سطح اللوحة إلى أسلوب تكعيبي هندسي ومن ثم مرحلة الضربات السريعة العريضة وفرض شعيرات الفرشاة في الرؤية والتاثير. ثم تلتها مرحلة التجريب في رسم الطبيعة بأساليب الانطباعيين. فوجدت نفسي بحاجة لقلب الصفحة والانتقال لإدخال خامات وملامس واضحة. ولكن رجوعا لمواضيع التراث إذ ان نظرتي لها أنها مناسبة لإبراز الأثر بالزخارف الشعبية وجمالياتها.
> المرحلة الثالثة انتقلت فيها وبحس تجريبي من خلال خامات متعددة وتخلصت من التأثيرات الشعبية كليا، كما أنك أنجزت أعمالا مفاهيمية مدهشة، حدثنا عن هذه التجربة؟ وكيف تستشرف بها آفاقك الفنية؟
- عن تجاربي بما يسمى بالمفاهيمية، هي تجربة لم تدم طويلا. واقتصرت على أعمال لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليدين، لم أسهب ولم تأخذ مني في البحث والتجريب ما يستحق. لعدم قناعتي أو لعدم توافقها لميولي. ببساطة هي أعمال لأفكار في الفراغات خالية من الجماليات. وهي في نفسي مثل الفوضى المشوشة وعبث متغلغل في الفن لإقناع الجمهور باني فنان راق، وفي رأيي ما هي إلا مسميات مثل الفن التشكيلي، الفن الفراغي، فن الفيديو. ما بعد اللا شعور... الخ. وأزدهر. ذلك في ضوء ابتعاد النقاد التشكيليين الصادقين المخلصين.
> شكلت والفنان الغائب الحاضر علي الصفار ثنائيا ذكرنا بالثنائيات الناجحة في الأدب مثل عبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا؛ كيف تسنى لكما عبور وتخطي الأنا الفائضة والنرجسية وتخلقا عالمكما الإبداعي كل هذا الزمن؟
- يا سلام... السؤال بحد ذاته يبهجني ويحلق بي في عالم سعيد... بصراحة وجدت من مشوار فني الطويل أن احلى ما في عالم الفن هو الإيثار. الصفة التي نفتقدها في عالمنا اليوم. كل فنان يؤثر الآخر بالجميل على نفسه. هكذا يستمر الإبداع ويتفرغ الفنان للصفاء ويقوده للنجاح. هكذا كانت تجاربي ومشواري الفني مع الأستاذ الزميل الفنان والمعلم علي الصفار. تعدت مشاركاتي معه أسوار الوطن والحدود في بلدان خليجية وعربية.. هو مدرسة في العطاء. عين جارية لا تنضب، ليس معي أنا فقط وانما كان مع كل أعضاء جماعة القطيف الفنية... حتى الخطاطين والفوتوغرافيين.
وعلى فكرة هو لليوم إنتاجه الفني يعتبر من أغزر الفنانين.. نستطيع أن نطلق عليه اسم «القدوة».
> «ليست لغة الرسامين، ولكن لغة الطبيعة، تلك التي ينبغي أن تصغي إليها». فان غوخ ما الذي تصغي إليه روحك لتذهب للفن بكل ألقك وروحك الواثبة؟
- الطبيعة.... وأي فن... يكون فنا بدون طبيعة؟ آه على طبيعتنا هي مدينة القطيف الملهم الأول لي مثلما كانت الأرياف الفرنسية ملهمة للفنانين الانطباعيين في عصر النهضة. عين الإنسان هي نافذة يعبر من خلالها كل جميل. وليس أعظم من الخالق عز وجل عندما يصف الجنة... يصفها بالطبيعة والأنهار الجارية.. الخ، والحث على التأمل في ابداعات الخالق. امتازت البيئة القطيفية باللونين الأخضر والأزرق بدرجاتيهما، ودوري كان استنباط الألوان الباقية من هذين اللونين.
> تقول في تعليق سابق لك: ان كل مرحلة تجب ما قبلها أو تنسفها؛ ألا تؤمن بتشابك أو تواصل التجارب كمراحل أو تطورها في تشابك فني / لوني / أو حتى كفكرة متصلة مع بعضها؟
- قد يكون هناك خطأ في تعبيري هذا، أو في توصيلي لفكرة كنت آمل في إيصالها، وهي لابد من أن يصعد الفنان السلم عتبة تلو الأخرى من دون أن ينظر للوراء. ألا يتهيب من التطوير والاندفاع. وأنا أوافقك الرأي طبعا. لابد من التسلسل والبناء بالاعتماد على الاساس المتشابك والمتتابع وكل فكرة فنية تبنى على ما قبلها، سواء في الأسلوب أو الخامات أو التكوين أو الألوان وحتى في الأحجام والمساحات.
لدرجة أن اللوحة. تعرف بصاحبها وإن اختلفت المراحل.
> الحركة الفنية في المنطقة بين توالد فنانين جدد وبين انطواء آخرين، وتلعب العلاقات دورا في بروز شخوص وتغييب آخرين من الرواد، حتى ساد اليأس واللا جدوى من الفن فانزوى جيل فني كبير أو تعفف مكتفيا بالفرجة. ترى ما الحل في استعادة الألق وحضوره في الساحة الفنية؟
- ما أجمل هذا السؤال.. الفن التشكيلي جزء لا يتجزأ. من بانوراما الثقافة في الشرقية.
وبما أنني من التشكيليين فهاجس الفنان التشكيلي أقرب لهمي اليومي. هناك أسباب كثيرة افرزت انقسام الفنانين، باختصار هو الشعور بالغبن أو التهميش أو عدم الانصاف بخاصة من بأيديهم التقييم أو توزيع الجوائز وفرز نتائج المسابقات... فخرجوا من مضمار السباق تجنبا لمزاحمة من لا يستحق. أو ابتعدوا من المشاركات اعتقادا منهم وقناعة في أنفسهم بأنهم إما أكبر وأفضل من الآخرين.. أو أن الآخرين لا يرتقون الى مستواهم فيؤثرون خيار الابتعاد بصمت. أنا شخصيا أرى أن هناك خللا ما يكمن فمن أتى للمضمار وهو غير مؤهل إلا من المحسوبية، وليس الخلل في من رحل أو توارى، بخاصة التطبيل من النقاد أو إنصاف النقاد لما يسمى بالفنانين والفنانات الصاعدين. وهي مشكلة. يحلها الزمن ببساطة.
> «الغريزة تكفي في الفن والحب». أناتول فرانس. في رأي الحجي هل ما زالت الغريزة تفعل فعلها في الفن والحب والحياة؟
- نعم. اناتول فرانس، هذا الروائي الفرنسي العظيم أسلم له بهذا القول. ومن مشاهدتي لأرياف منطقتي الزراعية «مثلما ألهمت أرياف فرنسا هذا الروائي» يتوارث الأبناء من الاجداد عشق الحرفة والفن والإبداع فيها تسليما يكاد يكون مطلقا. هكذا هو الفن أقوى منابعه هي جيناته الوراثية ومن ثم البيئة الغنية بالجمال ومن امتزاجهما الغريزي ببعضهما يولد الفنان، يعززها الصقل بالدراسة والاطلاع والأسفار ومواكبة التغيرات وإبداعات الآخرين.
> «وظيفة الفن هي كشف العلاقة بين الإنسان وبيئته». ديفيد هربرت لورانس. من منظورك ما وظيفة الفن؟
- وظيفة الفن من وجهة نظري باختصار، قضاء علاقة جميلة ممتعة بيني وبين اللون واللوحة. هكذا بدأت ثم بدأت اشعر بوجوب رد الجميل للتي الهمتني بهذه المتعة، بيئتي المعطاء. وتطورت الغاية ليكون اهتماما أكثر منه متعة مثل الجوانب الثقافية التي فرضت نفسها عليّ وبقوة. العادات، البيئة، جماليات المباني القديمة والقلاع. حتى أصبحت الغاية هي الوصول بالمجتمع للرقي في كل جوانب الحياة. وكان الشعور اليومي وكأنني المسؤول عن الوصول بمجتمعي. للمثالية.
> «التراث هو الأصل، والمعاصرة هي الواقع». الفنان محمد عبدالوهاب. عملت كثيرا في استحضار التراث في أعمالك، ما الرسالة الفنية التي تود تمريرها من خلال هذه الأعمال؟
- التراث. أعمالي التراثية. لا أخفيك كنت أخشى من النقاد ويمكن من السائلين بأن هذا السؤال هو تهمة عندما يطرح اأمامي، يمكن من كثر ما تناولته أعمالي لدرجة أني صدقت هذه التهمة وما أحلاها من تهمة، جعلت جل اهتمامي وأوقاتي وبحثي تحوم حول التراث. التراث المادي والمعنوي والثقافي، وكلما تعمقت فيه وغرفت منه وجدت أنني لا شيء ومقصر وعاجز وسط هذا الكنز المترامي. أما من ناحية لماذا اخدني ناحيته ببساطه لأنه جميل. وكم أتمنى أن يشاركني هذا الجمال أصدقائي ومحبي أعمالي. وبما أن أحد خطوات هذا الهاجس هو إيصال اللوحات للكل. من دون عناء مادي قمت بطباعتها وتوزيعها، وفرضت نفسها على الأجيال للتعرف أكثر على مكانة هذا التراث.
> «المرأة في نظري خليط من الأشكال والألوان». بابلو بيكاسو. الفنان الحجي ما المرأة في نظرك؟
- يكاد يكون جوابي لهذا السؤال غير قابل للنشر لكن ببساطة وبصدق أجاوبك، اولا المرأة هي الأم والزوجة والأخت والزميلة والبنت والأخت. المرأة في نظري هي كالبحر أحيانا أحتاج هدوءها. وأحيانا أمواجها العاتية الهائجة. تحمل همومي أحياننا على سطحها وتغرقني في سراديب أعماقها أحيانا. أكثر شيئا أحببته واكثر شيئا كرهته هو المرأة، أقوى دافع ومشجع لفني كان رضاء المرأة وإعجاب المرأة. أخيرا وبعد رحيل أمي رحمها الله «انا اخاف من المرأة» وبعد أن انجبت ثلاث بنوتات. «أنا أخاف على المرأة».
> أخبرنا عن المقبل من أعمالك وهل ضربت له موعدا مع جمهورك؟
- كوني أمارس الفن كهواية بعيدا من مسؤولية الالتزام بجداول زمنية، هذا أعطاني دافعا قويا للانتاج الغزير المنوع في الموضوع وفي والأسلوب، إذ تكدست عندي عدد من اللوحات الجديدة بعدما كانت نيتي إقامة معرض يهدف للحفاظ على شجر المنجروف الذي أوشك على الانقراض. أصبح الآن عندي عدد يكفي لمعرض آخر عن النخيل. ومعرض ثالث للتراث العمراني ومعرض رابع هو للعادات والمناسبات والأهازيج الشعبية القطيفية والتجمعات مثل الأسواق. وهذا التكدس من أسبابه بعدما اغلقت صالة مركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف، بعدما كانت رافدا ومعلما ثقافيا بارزا في المنطقة. لم أحدد موعدا لإقامة هذه المعارض. ولو حصلت لي. فرصة أو دعوة للعرض في صالة كبيرة لما تأخرت.