مسارات تتحكم في حياة الفلسطينيين

الأستاذ كاظم شبيب الشبيب * جريدة عكاظ

مسارات أربعة تصيغ حياة الإنسان الفلسطيني. ترسم طبيعة حياته اليومية وتحدد مستوى حياته المستقبلية. مسار التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. مسار المصالحة بين الفلسطينيين أنفسهم. مسار إعادة إعمار قطاع غزة. مسار تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية. وأمام كل مسار منها طريق غير معبد ومتعرج وطويل للوصول لنتائج تنعكس على مجمل حياة الشعب الفلسطيني وتفصيلاته المتنوعة كالاقتصاد والأمن والتعليم والصحة. من جهة أخرى تتداخل تلك المسارات في تأثيرها على بعض كتأثير مسار تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على مسار إعادة إعمار غزة، بل تتشابك المسارات أحياناً مما قد يُعطل مسارات أخرى، فلو تعطل مسار التهدئة مع إسرائيل قد يترتب عليه تأخر مسار البناء، وهكذا دواليك.

فبينما تترنح الخطى في مسار التهدئة بين حركة حماس وإسرائيل ضمن الايقاعات السريعة في القاهرة وغزة ورام الله ودمشق وتل أبيب، تلوح في الأفق مؤشرات أولية توحي باحتمال النجاح في مسار المصالحة بين الفلسطينيين، وبالتالي توقع قيام حكومة الوحدة الوطنية. بيد أن الفشل في مسار التهدئة لا يعني بالضرورة الفشل في مسار المصالحة، ولكن النجاح في مسار تشكيل الحكومة يعني النجاح في مسار المصالحة، وبالتالي يهيئ الأجواء والعواصم لنجاح مسار التهدئة، ومن ثم قد تكون أرضية المنطقة قابلة للدخول في استراتيجية السلام الفلسطيني الإسرائيلي.

إن الواقع المرير والصعب للحياة اليومية للشعب الفلسطيني غير قابل للتغيير والتطور دون النجاح في بعض أو كل المسارات السابقة. ومما يؤسف له وصلة التطرف الإسرائيلي متمثلاً في طرفين، نتانياهو وليبرمان، إلى تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي تضعف احتمالات نجاح بعض المسارات المؤثرة في تطوير حياة الفلسطينيين، رغم محاولة دفع دولاب الدبلوماسية الأمريكية لتنشيط الأجواء العربية-الإسرائيلية عبر شخصية الشرق الأوسط القادمة السيد جورج ميتشل.

الطرفان الأساسيان، وهما المعنيان، بحياة الشعب الفلسطيني، حركة حماس وحركة فتح، مشكلتهما أنهما لم ينعتقا من الحزبية الذاتية نحو المساحة الأرحب لمصالح شعبهما، بل انغمسا في قراءة مصالحهما أكثر من توجههما للمصالح الكلية لشعبهما الذي يعاني مرارة ضنك العيش اليومي. لا شك في وجود النوايا الطيبة، ولكنها، وهذا مما يؤسف له، وهو مما تعانيه أغلب الأطراف الفاعلة في السياسات العربية أيضاً، عدم انعكاس تلك النوايا على الأفعال والواقع، وعلى سياسات التعاطي مع المنافسين في الساحة الواحدة والمشتركة.

مصيبة المصائب هي انشغال الأطراف الفلسطينية، وكذلك العربية، في تحريك المسارات الأربعة السابقة، ومسار السلام العربي الإسرائيلي، دون العمل الميداني بالصورة المؤثرة التي تنعكس على حياة الناس في فلسطين، كي يشعروا، وهو أضعف الايمان، بأن مناحي حياتهم تسير نحو التحسن وأن مستقبل أبنائهم يلوح في الأفق ويبعث على الأمل بحيويته، ومن ثم المساهمة في عودة الحياة لعروق الفرد والأسرة والمجتمع في كل فلسطين.

لا يمكن نكران وجود منظمات إنسانية دولية وعربية وفلسطينية تعنى بحياة الفلسطينيين، ولكنها في واقع الأمر، تحولت إلى منظمات إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما الشعب الفلسطيني بحاجة إلى جهود أكبر وأشمل ترمي إلى بناء المواطن الفلسطيني كأي مواطن آخر في أية دولة في العالم، نحو التخطيط للتنمية الإنسانية الحقيقية المتكاملة. فهل نجاح مسارات التهدئة والمصالحة وتشكيل الحكومة وإعمار غزة هي المدخل لتنمية الحياة الفلسطينية وبدونها سيبقى حالهم على ما هو عليه؟ نأمل غير ذلك. والله من وراء القصد.

كاتب وباحث