وقتك رأس مالك.. فكيف تستثمره؟
لا تخلو حياة الإنسان اليومية من الضغوط والشدة، أو المنقصات والمفاجآت والحالات الطارئة، فضلاً عما تقابله من حالات استثنائية تؤثر سلباً في سير وقته وضبطه وتنظيمه وإدارته، وتعيقه عن تنفيذ وتحقيق جدول أعماله اليومي، وانجاز ما هو مطلوب منه، من مهامه وواجباته وأهداف، وهو ما يُصعِّب عليه استثمار الوقت الاستثمار الأمثل، خصوصاً مع هذا التسارع في عجلة الحياة، وازدياد متطلباتها.
وإذا كانت هذه العوامل تشكل حجر عثرة أمام استثمار الوقت وتحقيق الإنجازات، إلا أن من واجب الإنسان ألَّا يستسلم لها، أو لكل كبيرة وصغيرة تمر عليه ويجعل منها ذريعة لتبرير تقاعسه وإخفاقاته وضياع وقته، بل عليه ألا يتهاون في إهدار وقته وتشتيته، وأن يبذل جهده من أجل تجاوز كل الضغوط والصعوبات، واتمام عمله وواجباته، وكل ما هو مطلوب منه ضمن الوقت والمراحل المحددة، ومهما كانت الضغوط والأعباء التي تثقل كاهله. فالإنسان الطموح يستطيع بجده ومثابرته وجهده أن يتغلب على عوامل ضعفه، ويحقق رغباته وتطلعاته، والدليل ما ورد عن الإمام الصادق ، ”ما ضعف بدن عما قويت عليه النية“.
إن الإهمال والتقاعس عن أداء المهام والواجبات في الوقت المحدد لن يؤدي إلى الإنجاز والنجاح وتحقيق التطلعات، بل ستكون نتيجته قلة الإنتاج والتشتت والضياع، وحصيلته غير مرضية ومخيبة للآمال والتطلعات. فيما استثمار الوقت وإنجاز ما هو مطلوب من مهامه وواجباته في أوقاتها المحددة تجعل الإنسان يشعر بالرضا عن نفسه، ويدفعه للإقبال على العمل أكثر وأكثر، والمضي قدماً لتحقيق أهدافه، وينقله من نجاح إلى نجاح.
إن الشخص الذي يتقن تنظيم وقته والتخطيط له ضمن أهداف مرسومة ومراحل وأوقات محددة، سوف يتمكن من إدارة وقته بشكل صحيح، ويحقق أهدافه المرجوة بقدر ما يبذل من جهد. ففي قول للإمام علي يقول فيه، ”ما رام أمرؤ شيئاً إلا ناله أو ما دونه“، المهم أن يسعى الإنسان ويثابر ويبذل جهده مهما كانت الأعباء أو الوظائف التي يشغلها، وعليه أن يحرص على تقسيم وقته وتنظيمه وتوزيعه فيما بين مشاغله واهتماماته، وألا يضع ضغوط الحياة ذريعة لتبرير ضياع الوقت. فمهما كانت الأعباء لا بد وأن يجد لنفسه فسحة يتنفس من خلالها ويحدد ما يريد فعله ويسعى إلى تحقيقه، أما ترك الأمور تسير بلا توجيه للأهداف ولا للخيارات، فنتيجته سلبية وستؤدي إلى الخمول وقلة الإنتاج، وعدم تحقيق الرضا عن الذات.
لذلك المسؤولية تقتضي من كل فرد واعي بمسألة الوقت والمحافظة عليه، الاستفادة القصوى منه، وحُسن استغلاله في تنمية ذاته الفردية بما يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير. "فلو نظرنا إلى الذين تركوا في الدنيا آثاراً صالحة، ولو تفحصنا قائمة رجالات التاريخ الذين استطاعوا الخلود بمبادئهم وتفكيرهم، لوجدناهم أناساً عرفوا للزمن قيمته وللوقت حقه. ولو قدرنا الحضارة الإنسانية اليوم وضبطنا ميزاتها وما وقفت عليه لوجدنا أنها قامت على تقديس الوقت. وما سر قوة حضارة الغرب اليوم إلا في تحدي الزمن، والسباق مع الساعة، والعمل المتواصل بلا هوادة. وهذا كله جاء نتيجة الوعي بقيمة الوقت.
إلا أنه في المقابل نجد هناك استهانة بالزمن، وتضييعاً للوقت وهدراً له، حتى أصبحت كلمة ”قتل الوقت“ من الكلمات المعبرة عن هذه العقلية، وهو تعبير عن عقلية كاملة وتسجيل لواقع. ومن أجل تجاوز هذه الحالة لا بد أن تذوب هذه الكلمة وتمحى من قاموس الاستعمال، وأن نفهم شرف الزمن وقيمة الوقت، وأن يكون صديقاً لنا، نستثمر كل جزء منه فيما يعود بالخير علينا وعلى المجتمع". «1»
إن رأس مال الإنسان في هذه الحياة هو وقته. بيد أن طريقته في إدارة وقته والاستفادة منه هي التي تحدد الفارق بين نجاحه وفشله على المستوى الشخصي في هذه الحياة. بل وزيادة على ذلك تُعد الطريقة التي يدار بها الوقت أحد أهمّ أدوات قياس وعي الشعوب، أفراداً وجماعات، ومدى مستواهم في التحضّر والتقدم. فمن خلال ملاحظة مدى احترام الوقت عند هذا الشعب أو ذاك تتكون لدينا صورة واضحة عن مستوى ثقافته ووعيه. والمؤكد أن هذا السلوك ليس سلوكاً عشوائياً، كما أنه لا يأتي من فراغ، وإنما هو نتيجة تثقيف وممارسة ونمط تفكير تم غرسه على امتداد الزمن.