حماية الملكية بين الرأسمالية والاشتراكية

إن إسراف النظام الرأسمالي في إقرار الملكية الفردية، أدى إلى تضخم الثراء الفاحش عند فئة خاصة على حساب الفئات الأخرى، وساهم في اضطهاد الشعوب وإرهاقها، وأدى إلى حدوث الأزمات الاقتصادية في العالم، والى انتهاك حقوق الآخرين.

أما الاشتراكية فلم تتكون بالتغيير البطيء المستمر كما كان الحال بالنسبة إلى الرأسمالية، بل ولدت من خلال نظرية قال بها ماركس في القرن التاسع عشر، كرد فعل على الرأسمالية، ووجدت تطبيقا لها أولا في روسيا القيصرية بثورة ۱۹۱۷، ثم بفعل الاضطهاد السياسي والمعاناة الاقتصادية التي عانتها شعوب اوروبا الشرقية. والدول التي تبنّت النظرية الاشتراكية في نظامها السياسي، أدى بها الأمر إلى الانقلاب واستخدام القوة لتغيير أوضاعها السياسية، وبالتالي تخليها عن الاشتراكية والشيوعية.

ويكفي لنا معرفة الأسباب التي أدت إلى سقوط هذه النظرية، والتي تخلى عنها أصحابها ومنظّروها، حيث يتبين أن الأحداث التي جرت عام 1990، كانت تطالب فيها شعوب دول اوروبا الشرقية بالحرية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، إذ يعود سبب التدهور الى إسراف النظام السياسي في تبني النظرية الاشتراكية، فلا توجد ملكية فردية والجميع سواسية في ما يملكون، حيث قام بتأميم جميع وسائل الانتاج للمجموع، وكان لهذا العلاج مضاعفاته السيئة، مما أفرز حالة متناقضة في تقييم الناس وإعطاء كل ذي حق حقه، فلم يكن تقييم العمل بناء على الجهد الذي يبذل او النوعية، بل إن هذا النظام يضع الجميع في مستوى واحد من العطاء، حتى ولو كان هناك نوع من التمايز النوعي عند قسم من الناس، فالجميع لا يحق له التملك او الحصول على مكتسبات دون الآخر.

أدى ذلك إلى عدم حماية الفرد عند هاتين النظريتين: الرأسمالية والاشتراكية، فلا الإسراف فيها صالح للمجتمع، ولا تجاهلها كما هو حاصل عند الدول الاشتراكية مفيد، بل لا بد من حل وسط يحفظ للناس حقوقهم ويعطي للناس ما يستحقونه، ولكل فرد الحق في التملك، ولكن ليس على حساب الآخرين واضطهادهم.

لهذا اهتم رجال القانون المحدثون بحماية هذا الحق، وقصروا وجوبه على الدولة، التي من مهماتها الرئيسية حماية هذه الأملاك، وفي الوقت نفسه وضع أطر خاصة عبر فرض القيود لمنع التضخم في الثراء الفاحش دون حدود، وتحديد الملكية والحد من الفوضى العامة التي تتعدي على حقوق الآخرين، بل وضع حلول وسط لحفظ ما للناس جميعاً.

وتلك هي نظرة الإسلام التي تدعو إلى حماية الملكية وتنظيمها تنظيما محكما، فلا يجيز للدولة التدخل في الملكية إلا إذا تعارضت مع الصالح العام، فتوفق بين حق الملكية الفردية وبين المصلحة العامة، لذلك لا يمكن مصادرة الأموال وتأميمها إلا إذا كانت هناك ضرورة اجتماعية، ويتم تحديد ذلك من قبل مجموعة من العقلاء والمتخصصين حيث رضا المالك أمر ضروري في عملية البيع أو عدمه، ومن دون الموافقة من المالك، فانه لا يحق للدولة أو أي طرف التصرف في ملك الآخرين.

والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، نصت المادة الحادية والعشرون منها على أن:

«1 - لكل إنسان الحق في استعمال ملكه والتمتع به، ويمكن القانون أن يخضع ذلك الاستعمال والتمتع لمصلحة المجتمع.

۲ - لا يجوز تجريد أحد من ملكه إلا بعد دفع تعويض عادل له، ولأسباب تتعلق بالمنفعة العامة أو المصلحة الاجتماعية، وفي الحالات والأشكال التي يحددها القانون.

3 - يحظر القانون أي شكل من أشكال استغلال الإنسان للإنسان».