عمود 172 ”مشاية الأربعين“ قصة المسيحية ماري بيير فالكمان
ومضت زيارة الأربعين ومثل ما يصيح خدمة الحسين في العراق ”خلصت يا حرامات“ انتهت وانخفضت الأيادي التي كانت مرفوعة وغفت العيون التي كانت باكية ورجع كل منهم إلى منزله ومر الاربعين بحزنه ونسال الله ان يعودنا العام القادم لا فاقدين ولا مفقودين، عبارات يتداولها الزوار وهم يودعون شهري الأحزان محرم وصفر.
روي عن الامام الصادق أنه قال: من أراد الله به الخير قذف في قلبه حب الحسين وحب زيارته.
طريق الحسين ”المشاية“ الذي يتهافت عليه الناس سيرا على الأقدام لزيارة الامام الحسين يوم عشرين من صفر ”الأربعين“ وهذه المسيرة لها عدة منافذ مدن مختلفة عراقية والجهة والمقصد واحد وصول كربلاء الحسين المقدسة، وياتي لها من جميع الأقطار والبلدان ومن كل حدب وصوب، وليس حكرا على معتقد شيعي فحسب، بل هناك من يسير ويخدم ويطلب حاجة من كل الملل والطوائف والديانات، وفي هذا الطريق قد دفنت عالمة فرنسية تعرف باسم ماري فما قصتها؟!
• نظرة عابرة:
السيدة المستبصرة الطاهرة البروفسورة الفرنسية ماري بيير فالكمان، تعرف باسم ”مريم ابو الذهب“ مستشرقة فرنسية ولدت في عام 1952م من أسرة محافظة ذات اصول كاثوليكية وقد اعتنقت الاسلام في الثامنة عشر من عمرها، واتبعت مذهب اهل البيت .
• تحصيلها العلمي:
عالمة سياسية واستاذة جامعة درست العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس وتخرجت عام 1972م، وعملت كباحثة وأستاذة في معهد اللغات والحضارات الشرقية في باريس، وتتقن خمس لغات الفرنسية والعربية والفارسية والاردية والبنجابية، وتخصصت في دراسة العلاقات الشيعية السنية في باكستان وأفغانستان.
ونشطت على الساحات الدولية بصورة عامة والفرنسية بشكل خاص في تبيان طبيعة العلاقات السنية الشيعية في باكستان وأفغانستان وعلاقتها بصراعات الأقطاب الإقليمية المحيطية بهاتين الدولتين.
• ماري والعراق:
زارت العراق عدة مرات وتحديدا مدينة النجف الأشرف وتشرفت بزيارة مرقد امير المؤمنين الإمام علي والعتبات المقدسة في العراق، والتقت بعدد من مراجع الشيعة العظام، وكما دعيت بدعوات من مؤسسة الكلمة للحوار والتعاون والتقت مع عدد من الشخصيات الدينية المهمة والشخصيات الأكاديمية والمدنية، وساهمت في مشروع كرسي اليونسكو لجامعة الكوفة وحاضرت في كليات الآداب والتربية والقانون والسياسة فيها، كما حاضرت في مؤسسة اليتيم الخيرية والمكتبة الأدبية ومؤسسة المرأة العراقية في النجف الأشرف.
• عملها الخيري والاجتماعي:
كانت رحمها الله تحب عمل الخير والبدل والعطاء في سبيل الله فقد اعطت 20% من تركتها في مؤسسة للصرف على بعثات طلبة الدراسات العليا من الفقراء الباكستانيين للدراسة في باريس، واودعت 40% لمساعدة ضحايا العنف من النساء الباكستانيات، و40% على المعاقين الفقراء.
• لماذا دفنت في طريق المشاية؟!
كانت الرغبة الأخيرة للراحلة المستبصرة مريم ابو الذهب بأن يوارى جثمانها في النجف الأشرف وان يتم تصوير عملية النقل من باريس إلى النجف ومراسيم التشييع والدفن بفلم وثائقي وعرضه على طلبتها في الجامعة كآخر درس عن الاسلام.
قالت في احدى لقاءاتها: اقامتي في النجف الأشرف هي من سعادتها وهو حلم يراودني وتحقق بان ازور النجف مرتين على التوالي سنة بعد آخرى، وعندما اكون هنا احس بهدوء وسكينة وتوافق مع نفسي والآن اقدر ان اموت بسعادة حينما آتي للنجف الأشرف.
انتقلت إلى باريها في 1 نوفمبر 2017م في الدائرة الخامسة عشر في باريس بعد صراع مع المرض دام ثلاثة سنوات، وبحضور رسمي وشعبي حيث اوصت قبل أن يوافيها الأجل بان تقام صلاة الجنازة على جثمانها من رحاب مرقد سيد الأوصياء الإمام علي وأن تدفن في النجف الاشرف في حسينية تقع على طريق يا حسين عند عمود 172 بحسب وصيتها، ويذكر ان هذه الحسينية كانت قد استراحت فيها عندما شاركت في مسيرة الأربعين مشيا على الأقدام آنذاك.
وصلت رسالتها المحمدية لنصرة الأسلام والمسلمين حيث جاهدت وثابرت على إعلاء شهادة الاسلام، ويثبت ذلك بالدليل من خلال وصيتها التي تريد ايصال الفكرة والرؤيا المحمدية العلوية الحسينية التي ارادت حتى بعد وفاتها ليرى الناس نقل جثمانها عبر الفديوهات المسجله.
فرحمك الله ايتها الإنسانة الكريمة السخية المعطائه وغفر الله لك ذنوبك وجعل الجنة مثواك وجزاك خير الجزاء بحق محمد وآله الهداة وببركة الامام الحسين .
المصادر/ كامل الزيارات 142، مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي، شاربي الفرنسية «كاتبات فرنسيات في القرن العشرين»، دفتر النعي الفرنسية، سكاي برس العراقية، ويكيبيديا، لقاء يوتيوب، ليبراسيون الفرنسية.