الأخلاق المحمدية... مفتاح التغيير
قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]
قال رسول الله : الأخلاق منائح من الله عز وجل فإذا أحب عبدا منحه خلقا حسنا، وإذا أبغض عبدا منحه خلقا سيئا «1».
- كيف تستطيع أن تستقطب النفوس؟
- وكيف تستطيع أن تحول معادلات الكراهية والبغض إلى معادلات المحبة والولاء؟
إن من يحمل مشعل التغيير، ومن يحمل راية الإصلاح، فإنه يحمل مسؤولية عظمية جدًا، تحتاج إلى الكثير من المستلزمات لكي يتمكن من مواصلة مسيرته الإصلاحية، حيث أن هذه المسيرة تعتريها العديد من العقبات والمشاكل التي تحول دون بلوغ المرء أهدافه، وما لم يتسلح المرء بتلك المستلزمات فإنه يتراجع مع أبسط مواجهة يقابلها في طريقه.
وتأتي الأخلاق كإحدى المستلزمات الأساسية التي ينبغي أن يتحلى بها كل مصلح ومغير وداعية، فلا قيمة للعلم حين يتجرد من الأخلاق، ولا قيمة للقوة حين تتجرد من الأخلاق، ولا قيمة للمال حين يتجرد من الأخلاق، إذًا فالأخلاق أولًا وأخيرًا.
وهذا ما نجده جليًا في سيرة الرسول الأكرم ﷺ والتي امتدحها الله تعالى بقوله: «وإنك لعلى خلق عظيم» والمستطلع للسيرة النبوية الشريفة يجد تلك التطبيقات الرائعة في سيرته ﷺ، وهنا نود أن نذكر بعض الأخلاقيات التي يحتاجها كل من يسعى للتغيير:
أولًا: الرفق واللين في جميع مظاهر الحياة
يقول تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾آل عمران159
وهكذا كانت سيرته ﷺ تتسم بسمة الرفق واللين في جميع مظاهر الحياة، يأتي في مقدمة مظاهر الرفق ما يتعلق باللسان حيث نجد الرسول الأكرم يؤكد على ضرورة هذا الأمر فقد ورد عن رسول الله ﷺ: «إنّ الله حرّم الجنة على كلّ فحّاش بذي قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فانّك إن فتّشته لم تجده إلاّ لغية أو شرك شيطان.
- فقيل: يا رسول الله وفي الناس شرك شيطان؟
فقال رسول الله ﷺ: «أما تقرأ قول الله عز وجل: «وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد» «2».
ثانياً: الجماهيرية
ان ارتباط النبي ﷺ بالناس لم يكن ارتباطا تسلطيا، وإنما كان ارتباطا جماهيريا متعايشا متسالما.
وهناك العديد من المواقف التي تؤكد أن الرسول الأكرم ﷺ كان يعيش مع الناس ويهتم لأمورهم وما إن تحل بأحدهم مصيبة أو مشكلة ما فإن علامة الحزن والأسى تخيم على ملامح الرسول الأكرم ﷺ ولهذا يصفه ربنا بقوله تعالى: «﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾التوبة128
وفي هذا الصدد قال رسول الله ﷺ: خمس لا أدعهن حتى الممات الأكل على الحضيض مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفا، وحلبي العنز بيدي، ولبس الصوف، والتسليم على الصبيان، ليكون ذلك سُنَّة من بعدي «3».
ثالثاً: احترام الإنسانية
المتصفح للسيرة النبوية الشريفة يلحظ هذا الجانب الإنساني، ويلحظ تلك الإنسانية التي كان يتمتع بها رسول الله ﷺ ويغرسها في نفوس أصحابه، فكان ﷺ حريصًا على احترام الإنسانية جمعاء، ويؤكد على احترمها أيما تأكيد، وإليكم هذه الحادثة وهي خير شاهد في هذا الجانب:
كان رجل من اليهود يقال له مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى فلما أحس بخيل رسول الله ﷺ جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدًا رسول الله!
فمر به أسامة بن زيد فطعنه فقتله، فلما رجع إلى رسول الله ﷺ أخبره بذلك فقال رسول الله ﷺ: قتلت رجلًا شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟!
فقال: يا رسول الله إنما قالها تعوذًا من القتل.
فقال رسول الله ﷺ: أفلا شققت الغطاء عن قلبه؟! لا ما قال بلسانه قبلت ولا ما كان في نفسه عملت!! «4».
هذا هو ديدن الإسلام وهذا هو شعار الإسلام «المحبة والسلام والاحترام لجميع الطبقات»
رابعاً: تحمل المسؤولية
جاء الإسلام ليخلق ذلك الإنسان المسؤول عن نفسه وما يمتلك من طاقات وقدرات واستثمارها فيما يعود عليه بالفائدة حيث يقول ربنا ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]
وهو مسؤول عن عمله ويتحمل نتائج أفعاله، سواء كانت افعالا جيدة أم افعالاً سيئة، يقول ربنا ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ «92» عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ «93»﴾ [الحجر: 92 - 93]
وهكذا تكون المسؤولية هي تلك الصفة التي تحول الإنسان من صفة الخمول والتواكل واللاابالية إلى صفة النهوض والانتاجية ورفع الواقع المتخلف.
وقد جاء الرسول الأكرم ليحول كل فرد في ذلك المجتمع إلى إنسان مسؤول فقال : ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم «5».
فحريٌ بنا ونحن في ذكرى المولد النبوي الشريف أن نُعطي صورة مشرقة من تلك الأخلاقيات العظيمة وأن نسعى لنشر تلك الأخلاق في محيطنا وذلك من خلال تجسيدها وتطبيقها على أرض الواقع.