نقطة زيت

عبدالعزيز حسن آل زايد
حريصة كل الحرص على ترتيب أغراضه، أما هو فينام مبكراً ويصحو بخلاف الآخرين متأخراً، ويجد كل أشيائه في غاية النظافة والجاهزية ليبدأ يومه دون عناء، يرتدي ثيابه على عجل من غير كلمة " شكراً " تخرج، أو ابتسامة خاطفة تشرق، أو قبلة صغيرة تستقر رغم كونها لا تكلفه ثانيتين من وقته الذهب !
لا يدرك أن خلف هذا الإنجاز عيون ساهرة ويدان مصلوبتان وجسد منهك مقطع..
كانت تنتظر منه بعض حروف الثناء لتلتهب من أجله، وتتوقد كالشمس نشاطاً دون توقف، إلا أنه يغير ملابسه بتبرم مزمن، والكسلُ يحملق فيه لكونه مغنماً جيداً للافتراس، لا ينظر إلى نصوع ما يرتدي، ولا يرمق إلى الكي الاحترافي الذي يوقع علامة الإتقان في ملابسه ببراعة، ولم يلقى أدنى اعتبار لتناسق الألوان المختارة بدقة إبداعيه ملحوظة، ولا إلى الوردة الحمراء الأنيقة التي وضعها جانباً وهو يحدق في الساعة التي بدأت عقاربها تلاحقه وتستفزه..
 عقله موشوش، وذاكرته متصدعة، يفتش عن مفتاح سيارته الذي يلقيه كل مرّة بعشوائية، ثم يفتح بوابة الصراخ لإهمال زوجته ! وقبل أن تدور الاسطوانة المعتادة وضعت المفتاح بلطف في يده مع ابتسامة رقيقة مشرقة لتذيب هذا الجليد المتراكم، تثاءب في قبالتها كما يتثاءب وحيد القرن حتى ابتانت لهاته الواقعة في بلعومه المظلم، رش بعض الطيب ووقف أمام المرآة يصلح شعره المتناثر كأمواج البحر المتسكعة، أغلقت له أزرته برفق وساعدته في قلع بعض الشعرات العالقة من شعره المتساقط، أدركت بحس فطرتها أنه لن يشرب كوب الشاي كعادته فلقد أصبح ثلجاً هو الآخر، تفحص نفسه بنظرة أخيرة صرخ بعدها غاضباً ارتعدت لهولها كالسعفة في ريح عاصف.. 
-         ماذا هناك؟ أجابته وعيونها تستكشف الخبر..
-         الزيت.. الزيت.. لماذا لطختِ ملابسي بالزيت ؟! وقائمة طويلة من الشتائم انفتحت ولم تنغلق !
نظرت حول البقعة الصفراء الصغيرة، فقالت :
-         لا أدري من أين جاءت؟ وكيف وصلت إلى هنا؟، ولكنها صغيرة ولا ترى..
أخذ يزرد ويرعد كالصاعقة الهوجاء التي لا تعرف قراراً، وصفق الباب خلفه.
جلست باكية تغرق في دوامة الدموع تندب حظها وتعاسة حياتها معه، ولم يقطع نشيج بكائها إلا صوت نغمة رسالة جوال عذبة خصصتها لزوجها، لم تشأ أن تفتحها، ومن غلالة السحب المتلبدة قرأت : " معذرة.. لم تكن تلك قطرة زيت، بل قطرة عطر وضعتها بنفسي " !!