حين استيقظ النور من داخله

في كل صباح، كان ناصر يرتدي ثوبه على عجل، يخرج من غرفته دون أن يُسلّم على والديه، يتجاوز مائدة الإفطار وكأنها غير موجودة، يضع سماعة الأذن ليستمع لمقاطع عشوائية، ويغادر المنزل بخطى بطيئة تُثقلها طاقة سلبية، وعينان زائغتان تفتقدان الحياة. الطريق إلى العمل بدا له كرحلة نحو الفراغ، وكل شيء في يومه يشي بالضيق: الوجوه، الزحام، وحتى نفسه.

كان يسير كأنما يُجرّ جسده جرًّا... يمرّ بالناس كظلّ لا يُرى، وبداخله صوت خافت يهمس:

”إلى متى ستبقى هكذا؟“

فيردّ عليه صوت آخر أثقل منه:

”لا فائدة... لا شيء سيتغير، هذه هي الحياة.“

وصل إلى عمله، ودخل مكتبه متثائبًا. جلس على كرسيه، وأطلق تنهيدة طويلة كأنها بُخار قلب مكبوت، محاولة فاشلة لطرد ما يثقل صدره. رمقه زميله مالك بنظرة متفحصة، وقال بلطف:

 ما بك يا ناصر؟ تبدو كأنك تحمل جبلاً على ظهرك.

 لا شيء يا مالك... فقط لا أجد رغبة في العمل، ولا طاقة لأي شيء.

ابتسم مالك وقال:

 غريب، نحن في نفس البيئة، نعمل في نفس الدائرة، ومع ذلك أشعر بحيوية اليوم وكأنني أبدأ من جديد.

رفع ناصر حاجبيه، وقال باستهزاء لطيف:

 ربما لأنك من نوع خاص... طاقتك مختلفة عن طاقتنا.

ضحك مالك وقال:

 لا يا صديقي، كل ما في الأمر أنني أيقظت طاقة الروح. الطاقات التي نعرفها فيزيائية وكيميائية، لكن هناك طاقة أهم... طاقة الإيمان والحياة.

هل تعلم ما الذي يسرق منا طاقتنا؟ البُعد عن الله، السهر، الإهمال، الكسل، الطعام الرديء، ومجالس تسرق البصيرة.

لكن حين تقترب من الله، تصلي الصلاة في وقتها، تغذي جسدك برويّة، وتملأ قلبك بالشكر، تبدأ ترى العالم بلون مختلف... ترى النور في الأماكن التي كنت تراها باهتة.

سكت ناصر، وشرد بنظره إلى الطاولة أمامه. في داخله تدور معركة خفية:

”ربما يبالغ... أو أن هذه الكلمات لا تصلح لي...“

”لكن... ماذا إن جرّبت؟ ألن يكون ذلك خيرًا من هذا السقوط البطيء؟“

قال مترددًا:

 هل تظن أني قادر على التغيير؟

ابتسم مالك بثقة:

 نعم... فقط اتخذ أول خطوة، وسيمدّك الله بالباقي.

في تلك الليلة، بقي ناصر مستيقظًا، يتقلب في فراشه، والماضي يتزاحم في ذاكرته.

”أنا لست أهلًا لهذا الطريق... كم مرة حاولت وفشلت؟“

لكن في عمق قلبه، انبعث صوت خافت، يشبه نسمة رجاء:

”جرّب لوجه الله... فقط قم للصلاة، وسترى.“

وفي فجر اليوم التالي، فتح ناصر عينيه قبل الأذان بدقائق. للحظة، كاد يعود للنوم... لكن شيئًا ما منعه.

”قم... لا تؤجل النور مرة أخرى.“

نهض، توضأ بماء بارد أنعش روحه، ووقف بين يدي الله في صلاة الصبح. ركعته الأولى كانت خجولة، لكن دعاؤه كان نابعًا من أعماق قلب أنهكه التيه:

”اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ“

وفي تلك اللحظة، شعر بشيء جميل يغمر صدره... كأن طمأنينة من السماء هبطت عليه، تنير قلبه بنورٍ لم يشعر به منذ زمن.

ابتسم... نعم، ابتسم وهو لا يزال في موضع سجوده، كأن روحه قد تنفست أخيرًا بعد طول اختناق.

خرج من غرفته بعد الصلاة، فوجد والديه يجلسان على مائدة الإفطار. ابتسمت والدته وقالت:

 استيقظت اليوم مبكرًا يا ناصر!

ابتسم، وجلس بجوارهما، وتناول كأس حليب دافئ، ومعه لقمة من البيض والجبن، شعر بدفء العائلة، وبركة الصباح، ولذة البدايات الصادقة.

وفي قلبه كان يردد:

”هذه هي الطاقة التي كنت أبحث عنها... لم تكن مفقودة، بل كانت تنتظر أن أوقظها بنور الصلاة، وصدق التوبة.“

وهكذا، أدرك ناصر أن التغيير لا يبدأ من الخارج، بل من شرارة تُشعل في الداخل. لم تكن الحياة ضده، بل كان بعيدًا عن نفسه الحقيقية. وحين اقترب من ربه، اقترب من ذاته، وتصالح مع يومه.

علم أن الطاقة الحقيقية لا تولد من منبّه، ولا من ترقية وظيفية، بل من ركعة صادقة، وذِكرٍ يُنير القلب، ولقمة حبّ مع من يُحب.

ومنذ ذلك الصباح، كان كل فجرٍ موعدًا جديدًا للنهضة... لا بالجسد فقط، بل بالروح.

فلا تنتظر أن تأتيك الحياة بطاقة من الخارج... بل أَوقِدها من داخلك، بالصلاة، والنية، والعزم الصادق.

فمن أضاء قلبه، أضاءت له الحياة.

أخصائي التغذية العلاجية