لا لمآب الاسماء المستعارة... نعم لوحدة علماء الشيعة

منير النمر

"كانت ليلة بوح جميلة تصارح فيها الشيخ حسن الصفار مع المثقفين والكتاب". بهذه العبارة أستطيع أن أصف لقاء الكتاب والمثقفين مع سماحة الشيخ حسن الصفار المنعقد أخيرا في مكتبه في القطيف. تحدث فيه عن مشروعه الخاص بـ"الطائفة الشيعية الكريمة في السعودية"، والذي لخصة في ثلاثة بنود رئيسه، هي:

1/ نقل المجتمع الشيعي من موقع متأخر لموقع أكثر تقدمية، مما هو عليه الآن عبر وسائل تحقق له ذلك على الأرض، منها تقوية الكفاءة البشرية في المجالات كافة.

2/ التواصل والانفتاح على الآخر بما في ذلك التيار السلفي، علما أن لقاءات المكتب مع رموز سلفية لا تتجاوز الأربعة لقاءات.

3/ التواصل مع المسؤولين في الدولة، وترك الجانب الثوري الذي كان عليه سابقا في المعارضة آنذاك، وما استتبعه من حل التنظيم السياسي، وأن التحرك في الوقت الحالي يشارك فيه تيار وليس شخص ممثل فيه (الصفار)، حيث أوضح أنه لا يستطيع كشخص أن يسيطر على التشعبات.

لعلي لا أبالغ أن أهمية تلك الليلة كمنت في التفاصيل التي ارتكزت على تلك النقاط الثلاث، فهذه النقاط تعتبر من وجهة نظر "الشركاء الشيعة" محل حساسية، وكما يقال فـ"إن الشيطان يكمن في التفاصيل". أقول بإن بعض الجوانب في الحد الأدنى تمثل حساسية مع أجزاء من المكون الشيعي الداخلي، وهي التي تسببت في وجود حالة من الاحتقان الشديد بين تلك الأطراف الدينية وأتباعهم من جهة، وتيار الشيخ حسن من جهة أخرى، وكلما اقتربنا من "السلفية" ذات الطابع التكفيري المعادي للشيعة من وجهة نظر شيعية بحته كلما ازداد التوتر مع الشيخ الصفار، وازدادت الانقسام الداخلية حدة، وفي تصوري لا يمكن للشيخ حسن أن يتفرد بـ"رؤيته الانفتاحية والتواصلية" مع التيار السلفي السعودي من دون أخذ رأي شركاءه الشيعة، وأعني العلماء الذين يتمتعون بموقعية علمية رفيعة بلغت مرتبة الاجتهاد حسب الحوزة العلمية التي تمنح الجميع الصلاحيات لممارسة التحرك الديني في المجتمع الشيعي، كما أن هناك علماء متمتعون بثقل اجتماعي كبير يجب أن يتوقف أي تحرك (على الأقل في المرحلة القادمة) على مشورتهم.

إن التحرك من دون رضا الشركاء الآخرين في شأن يعتبر ملك الجميع لا يفضي لنتيجة واقعية يهدف الشيخ حسن للوصول لها، وإن كان التحرك الخاص بالطائفة الشيعية وعلى الصعد المختلفة من جانب واحد    ، سيعود سلبا على "مشروع التقارب"، إذ ليس هناك تقارب يقوده تيار أو شخص ممثل في الشيخ حسن، وفي نفس الوقت يرفض المحيط ممثلا 52 عالما بينهم علماء من العيار الثقيل هذا التقارب الذي رأوه منتهكا لحقوق وكرامة الطائفة الشيعة، وهنا مسألة مهمة يجب أن تلتفت لها كل التوجهات في الخطوط الدينية، إذ لا بد أيضا على البقية الخروج من عباءة مواقفهم الحادة والوقوف على مصلحة الطائفة، ولا أقول أن عليهم الرضوخ لمطالب تيار معين على حساب رؤاهم المحترمة، بل على الجميع الجلوس في شكل جدي على طاولة حوار، خاصة أن الشيعة هم أقرب الناس للحوار من بقية التيارات الدينية. إن النخبة العلمائية الشيعية في المنطقة تحتاج لتصارح كبير للخروج من الأزمة التي لم تعد خافية على أحد، نحتاج لوقفة جادة تنظم الصف الشيعي عبر مختلف الوسائل الممكنة، سمعنا من الشيخ الصفار أنه دعا في أوقات سابقة لمجلس علمائي موحد (لم يستمر بطبيعة الحال)، ودعا لمجلس شيعي موحد على مستوى السعودية (لم يقم) كلها طموحات جمي، لكن السؤال الكبير لماذا لم تستمر، أو تقوم تلك المشاريع النهضوية التي ربما كانت قادرة على تنظيم البيت الشيعي الداخلي في السعودية، ولعلي لا أبالغ إن قلت بأن المنهج الذي اتبع كان خاطئا، وهذا ما شعرت به أثناء مناقشات عدة مع علماء دين وطلبع علوم دينية في القطيف على وجه الدقة، إذ رأى عدد منهم بأن الجلسة التي لم تستمر كانت محسوبة على الشيخ حسن، وأنه احتضنها، بل ورفض أن تخرج عن نطاق مكتبه، فإن صحت هذه الأقوال التي نقلت لي، فإن ذلك خطأ وأنه دافع حقيقي لعدم مواصلة المشايخ، كما أن تحفظا خص قيادة المجلس، إذ تحفظ البعض على قيادة الشيخ حسن الصفار له، وهنا لنصارح الجميع، إن مسألة القيادة يجب أن تخضع للانتخاب وهذه افضل الطرق الممكنة، فحتى في الولي الفقيه في إيران مثلا ينتخب من قبل مجموعة من المجتهدين منخرطين في مؤسسة النظام الإسلامي هناك.

وإن اختلفنا في وجهة النظر الخاصة بعدم الوقوف على أسباب نجاح تلك المشاريع، فإننا لن نختلف على أن واقعها يقول بأنها لم تقم، وأن المحاولات أجهظت لدرجة أن الداعين لها أصيبوا بحالة تشبه الإحباط، ولعلنا إن حاولنا الاقتراب من التحليل عن السبب، سندخل من جديد في مساحة الاختلاف التي قد يستغلها "أصحاب الاسماء المستعارة" التي انطلقت في حملة منضمة ضد شخصية فذة هي شخصية الشيخ حسن الصفار، محاولة هدمها لـ"غرض في نفس يعقوب"، بل لتحاول عزله اجتماعيا والاستفراد به بعد ذلك، وهذا ما أرفضه وترفضه النخب الواعية، وعلماء الدين الذين يختلفون حتى مع الشيخ حسن؛ لأن التسيقيط مبدأ متطرف واسلوب رخيص يكلفنا جميعا الكثير، بل علينا التركيز حول نقد الفكرة لا غير، وهذا الأسلوب هو الذي سيقوم الأخطاء التي يراها المنتقد لفكر هذا أو ذاك.
وبعيدا عن نظرية "الأسماء المستعارة" نتحمل نحن (الشيعة) مسؤلية كبيرة فيما حصل، فهل جاء ذلك ؛ لأن الشركاء الشيعة يشعرون بالتهميش من قبل تيار ما أو شخص ما، هل لأنهم لا يرون أن طريقة التحرك تخدم الشيعة وتحقق مصالحها، هل التعليمات الشيعية الخاصة بمقارعة الظالم والطواغيت واجتناب الطاغون وراء ذلك؟ إن تلك التساؤلات المشروعة لا بد أن تلقى الاجابات لتتمكن الطائفة الشيعية من تحقيق ما تريد، وليفهما الآخرون أيضا في هذا البلد.

إن خلاصة القضية في رأيي تكمن في فتح مجال للشركاء الشيعة، خاصة أن ليس من المعقول أن تسير الأمور في شكل أحداي، كما يتوجب على مثقفين يناصرون "توجه الأنفتاح" عدم وصم الآخرين بالرجعية أو "السلفية الشيعية" لأنهم فقط لا يوافقون على طريقة التعاطي مع الجهات السلفية التي لم تتوقف عن التكفير الممنهج ضد مكون وطني (الشيعة)، كما يجب على مثقفين مناوئين لتوجه الانفتاح على طريقة الشيخ حسن أن لا ينكروا حجم الايجابيات التي تحققت، فالشيخ البريك مثلا كان قاسيا بل مسخفا في بعض كلماته للشيعة حسب ما قيل من قبل أطراف شيعية فاعلة، كحين قال: "ألطم ألطم" في سياق العزاء والتهكم في هذا المجال، بيد أنه لم يشر لنفس الطريقة في مكتب الشيخ الصفار، وهو ما يقوله الشيخ، إذ يقول بأن التواصل والانفتاح يمكن له أن يحد من الهجوم على الشيعة، بدليل أن البريك الذي عرف عنه تكفيره للشيعة سابقا لم يكفرهم حتى في قاعة الملك عبدالله للمناسبات الوطنية، وهي القاعة التي ألقى فيها ندوته التي استمرت نحو ثلاث ساعات وحضرتها، وبلغني فيها رسالة للمشايخ الشيعة، إذ رأى أن عدم حضورهم جعله يخشى أنها "حركة مقاطعة له".
إن النظرة السلبية من بعض علماء الدين في المحافظة تجاه آليات التحرك وطرقة ينبغي أن تجد أذنا صاغية من قبل الشيخ حسن، ليس على مستوى نقاش الفكرة وجمع المثقفين والكتاب - وهو المطلوب طبعا بل على مستوى أعمق يصل لحد الشراكة التي تربطها قيم ومسلمات وأهداف واحدة، كما يجب أن يشعر الشريك بتغيير عملي في المواقف، وبخاصة أن الهدف النهائي لهذا المشروع (الطائفة الشيعية) شيء مشترك يملكه الجميع، فنحن لا نتحدث عن مشروع خاص، بل عام وشرعيته أنه ديني.

إن المجتمعات المتقدمة تحل خلافاتها بطرق ديمقراطية، إذ يعتبر البرلمان منتفس للجميع، ومن هذا المنطق علينا الدعوة كمثقفين لانشاء "مجلس علمائي" تخضع قراراته لرأي الاكثرية، خاصة أن ليس من المنطق أن تكون له مركزية محسوبه على فلان من المشايخ، وبالرغم من وصول الشيخ الصفار لمرحلة تفيد أن المجلس بعيد المنال، إلا أني أقول لسماحته أسمح لي باقتراح يكمن في مبادرة جديدة بعد ما حصل من تراشقات شهدناها، خاصة بعد كلمة جميلة رطبت الأجواء المتشنجة من السيد حسن النمر حفظه الله... مقترحي أن تبادر لعقد لقاء علمائي يتم التصويت فيه على آليات العمل وأن تخرجوا منه بميثاق شرف ينظم العمل وأن تعلنوا للناس ما ناقشتم وما اختلفتم فيه وما اتفقتم فيه، فالشارع أصبح قويا أكثر من أي وقت مضى، فهو الذي قال قولته عبر "النخب الجديدة" التي تمثل طلائع المستقبل عبر شبكة الانترنت في قضايا كانت تمر سابقا من دون أن يلتفت لها أحد، مثل تكريم القضاة، وزيارة البريك، ومختلف القضايا المهمة.

أخيرا قال لي الشيخ حسن الصفار مرة في مجلسه العام عبارة يمكن التأسيس عليها للمشروع العلمائي، إذ قال ما معناه: "لو ينشأ مجلس علمائي ويكون رأيي في ناحية، وآراء بقية العلماء في الناحية الأخرى فأنا أول شخص سيقبل برأي الأكثرية".

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
حمزة احمد
[ ام الحمام - القطيف ]: 29 / 7 / 2010م - 3:23 ص
جميل جدا

يكون الشيخ الصفار الاب الروحي لمجلس العلماء و الدكتور توفيق السيف الأمين العام ثم يعلنون مؤتمر عام ليتم التصويت بحل المجلس بعد ان تجتمع قيادة الدولة (اعزها الله) خلسة بسماحته و فضيلته.

ياسلام و نسمي المجلس (باب الحارة الجزء السادس ماقبل الأخير)

افكار هائلة استاذ منير .. امووت في رواياتك الفنتازية الكوميدية وين هوليوود عنك