افهم عصرك.. لتربح حياتك
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾...
هكذا يفتتح القرآن بصوتٍ مدوٍّ، يذكّر الإنسان أن الزمن ليس محايدًا، بل هو ساحة اختبار. فمن لم يُحسن التعامل مع معادلات الربح والخسارة، وجد نفسه من الغافلين الخاسرين، مهما امتدت به الأيام وتوالت العصور.
معنى العصر وأمانته
العصر ليس ساعاتٍ تمضي، ولا أحداثًا عابرة تُسجَّل في الصحف؛ بل هو كيان حيّ، يفرض علينا أن نعيه ونفهمه. فكيف يمكن لإنسانٍ أن يعيش بعيدًا عن حركة زمانه؟ كيف ينأى بنفسه عن مجريات الأمور ويقول: ”لا شأن لي بالعالم“؟
إن ما يحدث في أقصى الشمال قد يطرق باب الجنوب، وما يجري في الشرق يُبدّل معادلات الغرب. الدنيا مترابطة، كأنها نسيج واحد، تمسُّ خيطًا فتتحرك جميع الخيوط.
وعي الزمان وحصانة العقل
لهذا أوصى الأئمة بوعي العصر. قال الإمام الصادق
: ”العالم بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس“. ومن قبله قال أمير المؤمنين
: ”أعرف الناس بالزمان من لم يتعجب من أحداثه...“. إن الوعي بالزمان ليس ترفًا، بل حصانة للعقل والقلب؛ يقيك من المفاجآت، ويجعلك قادرًا على قراءة الأحداث بعين البصيرة لا بسطحية العابر.
ضع لنفسك برنامجًا تُتابع من خلاله ما يجري حولك: متى وقع؟ لماذا؟ كيف؟ وما أثره؟ فالعقل الذي يسأل ويحلل لا يُفاجَأ، بل يقف مستعدًا لمواجهة الطوارئ.
الذكاء الاصطناعي… لغة العصر
ومن أبرز ملامح عصرنا اليوم ثورة الذكاء الاصطناعي، تلك القوة التي غيّرت وجه العالم في غضون سنوات قليلة. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية حاسوبية، بل أصبح شريكًا في القرار، وأداة في التعليم، ووسيلة في العلاج، وركيزة في الاقتصاد والإدارة والإبداع.
إن من لا يعرف هذه اللغة الجديدة، ولا يسعى إلى فهمها وتوظيفها، سيجد نفسه كمن يعيش خارج حركة التاريخ. فالذكاء الاصطناعي ليس رفاهية فكرية، بل ضرورة عملية تمس كل مهنة وكل مجال.
فالطبيب الذي يوظف أدواته يحقق تشخيصًا أسرع وأدق، والمعلم الذي يستعين به يفتح آفاقًا أوسع لطلابه، ورجل الأعمال الذي يدرك إمكاناته يسبق منافسيه بخطوات هائلة.
لذلك، فإن فهم عصرك اليوم يعني أن تكون على وعي بهذه الثورة الرقمية، وأن تضع لنفسك نصيبًا من معرفتها وتطبيقاتها. فمن تجاهلها خسر، ومن استثمرها ربح.
المعادلة الحاسمة
إنها معادلة واضحة:
من وعى عصره وأدرك متطلباته، ربح الحياة.
ومن أغفلها وظل يعيش على هامش الأحداث، خسر نفسه، وإن ظن أنه ناجٍ.
فالزمن لا ينتظر المتقاعسين، والتاريخ لا يرحم الغافلين. فكن ابن عصرك، واصنع حاضرك، لتفوز بمستقبلك.