يوم الروبيان
خيبة أمل في أول الموسم.. والصيادون يشكون تسعيرة الديزل الدولية
في ساعات الفجر الأولى؛ كان سعر "البانة" الواحدة التي تزن 32 كيلو جراما 800 ريال. وقبل أن تطلع الشمس هبط السعر إلى 600 ريال. وما إن لامست الشمس ضحاها حتى راح سعر الروبيان يُغري باعة التجزئة بوصوله إلى أقل من 500 ريال بقليل. لكن السعر لم يقف في مكانه، وراح يقاوم الهبوط الذي جرّه إلى قاع الـ 300 ريال مع ميل الشمس نحو العصر، إلا أن هذا السعر الأخير لم يصمد، بل عاد إلى الارتفاع دون استقرار واضح، حتى إعداد هذه السطور.
هذا ما كان عليه "يوم الروبيان" أمس الأحد في أسواق الأسماك بالمنطقة الشرقية، مع انطلاقة أول أيام موسم الصيد الذي يستمر ستة أشهر.
يومٌ مُرتبك، استعدّ له مئات الصيادين بقواربهم وشباكهم وعمّالهم. واستعدّت له أسواق الأسماك بوسطائها وباعتها. واستعدّت له البيوت، طمعاً في اقتناص الفرص الكبيرة بأسعار أقلّ من أسعار السوق التي كانت حتى قبل أمس. وحتى قبل أمس كان سعر الكيلو الواحد من الروبيان يلامس سقف الـ 40 ريالاً، أو يزيد، لكن موسم الروبيان يُنزل هذا السعر إلى قاع 10 ريالات، وأحياناً أقلّ. وفي يوم "هجمة" الروبيان قد يصل سعر "البانة" إلى 200 ريال مع تفوق العرض على الطلب.
لكنّ ما حدث أمس كان مربكاً، والكميات "الهائلة" المتوقعة في يوم الحدث السنوي الكبير لم تـُرجـّح كفة العرض على الطلب. وبدأ "يوم الروبيان" في المنطقة الشرقية مخيّباً لآمال الصيادين وتجار الأسماك و المتسوّقين. وبدلاً عن تدفق أطنان الروبيان على أسواق الأسماك في أول أيام الموسم؛ وصلت إلى الأسواق الرئيسة في الدمام والقطيف وتاروت كميات قليلة، وغير مقنعة، وسط تضارب في التوقعات التي يذهب بعضها إلى أن "الأمر طبيعي"، في حين يذهب بعضها الآخر إلى وجود مشكلة أساسية في مصائد الروبيان وفي تسعيرة الديزل التي تمّ تطبيقها فعلياً وانعكاس المشكلتين على كميات الصيد وبالتالي على الأسعار.
الشهادات والمشاهدات الميدانية في الأسواق؛ تشير إلى أن الاستعدادات المكثفة التي سبقت الموسم، وتحزّم لها مئات الصيادين في المنطقة، مُنيت بيوم غير منتج على النحو المأمول.
بائع التجزئة في سوق الأسماك المركزي بالقطيف محمد آل غزوي يؤكد أن كمية الروبيان التي وصلت فجر اليوم إلى حراج السوق "كانت قليلة جداً" قياساً "بالمدة التي قضاها الصيادون في البحر التي لم تتجاوز 12 ساعة في قوارب صغيرة". وأضاف "ارتفعت الأسعار لهذا السبب"، و "سوف ينخفض السعر تدريجياً مع عودة قوارب الصيد الكبيرة بعد 3 أو 4 أيام، وأتوقع أن تكون كمية الصيد وفيرة".
وفي جزيرة تاروت أصاب الكثير من الصيادين الإحباط بعد عودتهم من البحر نتيجة الكم الضئيل الذي عادت به قواربهم. لكن نصيب الصيادين الذين دخلوا من ميناء الجبيل كان أوفر حظاً".
وعزا عبد الله البيابي، وهو صياد وصاحب مزاد، قلة الصيد إلى الحالة النفسية التي أصابت الصيادين نتيجة ارتفاع سعر الديزل، وقال "دخل الصيادون البحر ومعنوياتهم منخفضة، كما رجع معظمهم دون أن يتمكنوا من صيد كميات تجارية مربحة، خاصة عند ميناء دارين"، وأضاف "بداية موسم الروبيان هذا العام غير جيدة، فالصيد غير وفير والكميات قليلة جداً".
قبل بداية الموسم كان بعض الصيادين يقارنونه بموسم العام الماضي الذي لم تكن فيه التسعيرة عالية لوقود الديزل. ويقول الصياد محمد عيسى الكرانات، وهو من جزيرة تاروت، لـ "الوطن" إن "موسم العام الماضي كان إيجابياً في الأيام الأولى منه، لكن بعد ذلك تحولت الأمور إلى العكس فتراجع حجم الإنتاج، واضطر صيادون إلى ترك صيد الروبيان خلال فترة الذروة والتحول نحو صيد الأسماك". ويرى الكرانات أن "الموسم الحالي ربما كان أفضل من العام الماضي لوجود جدية في تطبيق الإجراءات النظامية على الصيادين، ومنع المخالفات والخروقات التي تضر بالموسم وتضر البيئة البحرية بشكل كامل، كأن يتم الصيد بشباك غير نظامية، أو الصيد في غير الموسم". ويدعو الكرانات إلى "موسم موحد مع مملكة البحرين الشقيقة، لأن المصائد متقاربة وربما كانت واحدة بين الطرفين". لكنه يطالب بـ "مراعاة ظروف الصيادين في شأن تسعيرة الديزل".
عضو جمعية الصيادين بمحافظة القطيف ورئيسها السابق، داوود آل سعيد، يصف اليوم الأول بأنه "مشجع، ولا يمكن الحكم على الموسم من أول أيامه". وعن خبرة طويلة في الصيد وأسواق الأسماك يرى آل سعيد أن "من الممكن جداً أن تهوي الأسعار إلى أقل من 300 ريال خلال أيام، بعد تبيّن أوضاع المصائد".
لكنّ آل سعيد يتحدّث عن مشكلة جدية تواجه صيادي الأسماك في المنطقة الشرقية بسبب تطبيق تسعيرة الديزل الدولية على القوارب التي يزيد طولها عن 16 متراً. فالتسعيرة المحلية هي 25 هللة للتر الواحد، ولكن التسعيرة الدولية هي 2.75 هللة. "وهذا الفرق يشكّل ضغطاً كبيراً على الصيادين لأنه يرفع تكلفة التشغيل، ويقلّل من الجدوى الاقتصادية للصيد" حسبما يقول الداوود الذي يضيف أن "الغالبية العظمى لقوارب الصيد يزيد طولها عن 16 متراً، كما أن معظمها مملوكة لصيادين ضمن برنامج قروض حكومي، وهم مطالبون بأقساط تجاه البنك الزراعي العربي السعودي".
ويضيف آل سعيد "موسم الربيان هو الأفضل للصيادين طوال السنة، خاصة أن الأشهر الستة قد تعوض ما تتسبب به تقلبات الجو من خسائر للصيادين خلال الأشهر الماضية". ولكن تسعيرة الديزل الجديدة تضيف عبئاً على الصيادين، "الرحلة الواحدة تحتاج إلى نحو 800 – 1200 ريال على الأقل كقيمة الوقود اعتماداً على سعر 25 هللة للتر، أما السعر الجديد فإن الكلفة سوف ترتفع كثيراً، وقد تصل إلى أكثر من 6000 ريال، مما يعني تراجعا كبيراً في إجمالي عائد الصيادين، الذين يعولون على الموسم".
وهناك مشكلة أخرى متصلة بتسعيرة الديزل الجديدة يتحدث عنها عضو جمعية الصيادين جعفر الصفواني، هي "هجرة كميات كبيرة من الروبيان إلى عمق الخليج، وهو ما يعني أن على الصيادين أن يذهبوا إلى المصائد البعيدة، وهذا يكلّف وقوداً أكثر، وبعض الصيادين يعملون في مناطق نائية جداً مثل منيفة والسفانية".
الصيادون الذين دخلوا البحر من محافظة الخفجي ومن السفـّانية وقعوا في مشكلة التسعيرة الدولية إضافة إلى مشكلة أخرى هي عدم وجود متعهد للديزل. وأعيقت "تصاريح" دخولهم من قبل نقاط حرس الحدود البحرية.
وبدوره قال الناطق الإعلامي بحرس الحدود في المنطقة العقيد محمد الغامدي لـ "الوطن" إن "المشكلة إجرائية بحتة، ونحن نطبّق الأنظمة". وأضاف موضحاً أن "حرس الحدود جهة تنفيذية تطبق ما يأتيها من تعليمات، فتأتينا أحيانا تعليمات من الأرصاد، وأحيانا من وزارة الزراعة، وأحيانا من أرامكو السعودية، والغرض من كل ذلك هو مصلحة الوطن والمواطن، ونحن في الوقت الحاضر ننفذ قراراً جاءنا من الجهات العليا، وقد مُنعت بعض القوارب من دخول البحر في مرفأ منيفة والسفانية لعدم وجود متعهد يوفر الديزل المطلوب لأصحاب القواب، ولكن تقدم اثنان من المتعهدين وسوف تحل هذه المشكلة". ويشير الغامدي إلى أن "حرس الحدود يمنح "تصاريح" بدخول البحر يومياً، ويصل عدد "التصاريح" إلى 550 تصريحاً.