حركة التغيير المصيرية في الحج

يقول تبارك وتعالى في كتابه الحكيم ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا 

الحج فيه لقاء عظيم مع الله سبحانه وتعالى، وهذا اللقاء يجب أن يستشعره الحاج الذي أتى قاصداً القرب من الله عزّ وجل وأن لايكون مجرد أداء لمناسك مفروضة، القصد من أعماق القلب من أهم الأمور التي تُمهد للوصول إلى مرحلة التقرب واللقاء والسعي بعمل الأعمال الصالحة وترك المحرمات أهم وأعظم ليكون الحاج مخلصاً وصادقاً في كل حركة وفي كل خطوة يخطوها نحو الله سبحانه.

أن لايخشع القلب وأن لاتخضع كل الجوارح وأن لايتورع الحاج عن عمل أو قول الذنوب صغارها وكبارها وأن لايعزم وأن لايعاهد الله ورسوله  وأهل البيت  لاسيما إمام العصر والزمان "أرواحنا لمقدمه الفداء" على تغيير نفسه وترك قبائح الأفعال والأقوال والمحرمات وجميع النواهي في يومياته بل في كل أيام حياته فهذا كله من أقبح ذنب وأسوأ أمر في هذه الأيام العظام.

إنّ الحج بكل مافيه من مواقف ومشاهد عظام يُسهم ويساعد في حركة التغيير المصيرية في حياة الحاج فيكفي أن الله تعالى مجده ووفقنا لأن نكون من بين ضيوفه ويكفي أن يُشرفنا بالحضور العظيم في يوم عرفة لنكون في أقرب أقرب نقطة زمانية ومكانية بين يديه، تحفنا ملائكته وتغمرنا رحمته وأنواره ونسائم غفرانه.

فطوبى لمن أصبح كيساً وحاسب نفسه وعمل لما بعد الموت وترك التقصير وطوبى لمن خلع لباس التكبر والغرور الزائف وسجد لربهِ بكل جوارحه ونادى " لبيك اللهم لبيك" لتلبي كل ذرات الجسد والروح وكي لاتعود للذنوب فتتلطخ بسوادها.

يقول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب : سمعت رسول الله  يقول: ألا أخبركم بأكيس الكيّسين وأحمق الحمقى؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: أكيس الكيّسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت و أحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكيف يحاسب الرجل نفسه؟!

قال: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال: يا نفس إنّ هذا يوم مضى عليكِ لايعود إليكِ أبدا والله يسألك عنه فيما أفنيته فما الذي عملت فيه...؟ أذكرت الله أم حمدتيه..؟! أقضيت حقّ أخٍ مؤمنٍ؟ أنفّست عنه كربته؟ أحفظتيه بظهر الغيب في أهله ولده؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلّفيه؟ أكففت عن غيبة أخٍ مؤمنٍ بفضل جاهك؟ أأعنت مسلماً؟ ما الذي صنعت فيه؟

فيذكر ما كان منه؛ فإن ذكر أنه جرى منه خير، حمد الله عزّ وجل، وكبّره على توفيقه.

وإن ذكر معصيةً أو تقصيراً، استغفر الله عزّ وجلّ على ترك معاودته، ومحا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمد وآله الطيبين وعرض بيعة أمير المؤمنين  على نفسه وقبولها وإعادة لعن شانئيه وأعدائه ودافعيه عن حقوقه، فإذا فعل ذلك قال الله عزّ وجلّ: لست أناقشـك في شيءٍ من الذنوب، مع موالاتك أوليائي ومعاداتك أعدائي.