عندما كنت في تطبير 1429هـ

تنبيه:

أكتب هذه المقالة لا تأيداً لهذه العبادة المقدسة ولا تحريضا على من يرى حرمتها أو من لا يؤيدها ؛لأن الأحكام تؤخذ من المرجع المجتهد وكل ما عدا كلام المراجع العظام ليس بحجة على الناس وليس مبرئاً لذمتي  أمام الله عز وجل، بل أكتبها من باب عرض لتجربتي الشخصية ومواكبة للأحداث الاجتماعية وأقول أيضاً أن هذه المسألة يجب ألا تُكبر فنجعلها قضية إسلام وكفر فهي لا تعدو قضية استحباب ، ولنترك الغيبة والبهتان على بعضنا . وهذه مقالة موجزة في نقاط أهمها:

التعبئة الثقافية (الفهم):

من المهم والضروري لأي فئة مؤمنة تريد تغذية المجتمع بعمل عبادي غريب على الناس أن تُؤصل وتُعبئ له ثقافياً وفكرياً، و كلامنا هنا هو عن شعيرة ( التطبير ) المقدسة ،لأن الناس بما فيهم القائمون عليه لا بد أن لديهم الكثير من الأسئلة التي من الضروري إشباعها بالفهم والفقه الشرعي ؛من هذه التساؤلات:

من أين أخذت هذه الشعيرة أو الفكرة ؟
لماذا ترديد كلمة حيدر حيدر ؟ و ليس كلمة حسين ؟!!
لماذا بدل أن نضيع الدم ،نتبرع به للمرضى في المستشفى ؟!!
كيف تشوهون المذهب بهذه الطريقة ،وعيون الإعلام والعالم و النواصب علينا؟!!

لا أُجيب بل أعلق باختصار لأنني لست من أهل الاختصاص والفقه ولأننا بحاجة لعمل ندوة أو محاضرة من أحد العلماء أو المشايخ لكي نعمل على بصيرة :

  • أخذت هذه الشعيرة من طبرة الإمام علي يوم ضربه اللعين ابن ملجم ، ومن ضَرْب سيدتنا زينب رأسها بمقدم المحمل أي الهودج وهي المعصومة العالمة غير المعلمة.
  •  ترديد كلمة حيدر حيدر، لأن الطبرة ترمز لأمير المؤمنين علي ،وهي تجديد بيعتنا له وللأئمة من ولده ،وإعلان لفدائنا بأرواحنا نصرة لهم وأوضح تعبير ومصداق على الفداء وصدق النوايا هو إرخاص الدم بإراقته في سبيلهم ، كما قال الشاعر  الحسيني على لسان باسم الكربلائي  : دمي مو أغلى من دمك .وكما قال الشاعر العربي : والجود بالنفس * أسمى غاية الجودِ .
  • الدين لا يقاس حتى لا تضيع معالمه وأحكامه. أن تتبرع بدمك شيء و أن تعلن فداءك للإمام بدمك شيء آخر كمن يقول بدل تضيع العيش بتوزيعه في كل هذه المآتم اِبعثوه لفقراء الصومال .
  • قبل تشويه المذهب بالتطبير أقول تشويه الإسلام بمناسك الحج أوضح وأكثر تشويهاً إذا اِعتمدنا القياس في الأمر . ولو أطعنا أعداء أهل البيت لتركنا حتى زيارة الحسين ع التي أمرنا أهل البيت بها وإن قطعت الأيدي والأرجل وحتى القتل ، والحقيقة أن حل النزاع ينحصر في كون كل شخص يتبع رأي مرجعه الشريف في التطبير كما في باقي العبادات ومسائلها كثبوت الهلال - والتظليل في الحج - وتعلم واستماع الموسيقى،وكلنا تحت راية الإمام الحسين مادمنا نلتزم بالتقوى واحترام أبناء بلدنا والمرجعية المقدسة .

التطبير ...في وادي الدواسر :

في عام 1423هـ كنت في حديث طويل مع أحد أبناء الدواسر  وحينذاك كان سقوط الطاغية صدام ،وكان الإعلام موجه على الشيعة المحقة ،فكان مما استنكره علينا هو التطبير ولما لم يستطع التمكن منا أثناء الكلام ،رجع عن كلامه قائلاً :

لقد خوفتوا الأمريكان بفعلكم هذا.

الثمرة من هذه القصة أنه إذا كان هناك نظرة تشويه من بعض إخواننا في البلد ،فإن مِن أهل السنة مَن ينظر إلينا نظرة إكبار واحترام بل إن كثيراً من أهل السنة تشيِّع ببركات التطبير .

التطبير ...زيادة في الإيمان:

أول مرة شاركت في التطبير لمست الأمور التالية :
1- نسمع الخطباء الأفاضل كيف ضُرب العباسُ بعمود من الحديد لكننا لا نعرف مقدار آلامه ، ولكني لما انطبرت شعرت بالشرف والسعادة لأني شعرت ببعض ألم الحديد مواساة للحسين والشهداء .
2- لما رأيت كيف تسيل الدماء عرفت معنى تضحية الحسين بنفسه المقدسة والشهداء .
3- لما انطبرت وقبل أن أسقط مغمىً ،عرفت كيف أن النفس غالية لكن الحسين ضحى بها لأجل الله ورسوله .
4-عرفت شناعة الجريمة العظمى في قتل ابن رسول الله وآله الشهداء . ومدى حقارة و حمارة من يقف مع قاتليه  ولا يلعنهم في زماننا هذا،ويعمل نفسه مثقف أمام أهل البيت . والصحيح أن هذا أعور أو مثقب . حتى داخل الدائرة الشيعية.
5- عرفت كيف تكون شجاعاً عندما تلبي نداء السبط الشهيد .

يكفينا رأي مرجعنا – (نحن أصحاب الدليل ) :

أقول لأخواني في التقليد : يا شباب لا تلتفتوا ولا تنقهروا من كلام أي متشنج من هذه الشعيرة المقدسة مهما أتى بفتاوى أو كلام ممن كان ؛!!! لأننا نتعبد بفتاوى مرجعياتنا ويكفينا لإقامة هذه الشعيرة رأي مرجع واحد وكل مَن يخالفنا من داخل بلدنا الحبيب لا بد أن نعامله باحترام تبعاً لمنهج الحسين الذي بكى شفقة حتى على قاتليه . وأسألكم الدعاء.

أسلوب الحكاية( التقليد) :

نحن نلطم الخدود والصدور لأن بنات الرسالة فعلن ذلك
نحن نضرب بالسلاسل لأن الركب الحسيني قيد بالسلاسل والحبال
نحن نضرب رؤوسنا لأن الحسين وأصحابه الكرام طُبروا على رؤوسهم بالسيوف
نحن نبكي لأن الركب الحسيني بكى على الحسين والشهداء الكرام .
نحن نمشي لزيارة السبط الشهيد لأن الركب الحسيني سار مشياً لزيارة الحسين .
نحن نلبس السواد لأن سيد الساجدين وبنات الرسالة لبسوا السواد حزنا لقتل الحسين .
نحن نطبخ الطعام في عاشوراء لأن إمامنا السجاد كان يطبخ الطعام لمصاب السبط الشهيد
نحن ننظم الشعر الحسيني لأن الإمام الرضا كان يبذل المال والتعظيم لمن ينظم الشعر في الحسين .
نحن نكتب الكتب والمقالات في الحسين حتى نكون مصداقاً لـ (وأن يرزقني طلب ثاري مع إمام هدىً ظاهرٍ ناطقٍ بالحق منكم...).
نحن نعلن الحداد من واحد محرم لأن الأئمة كانوا يظهرون الحزن و الحداد في هذه العشرة.
نحن نرفع الرايات باسم الحسين لأن راية الإمام المهدي – عجل الله فرجه – هي ( يالثارات الحسين ).

روايات مضيئة:

1-عن الإمام الباقر أنه قال :(إذا انحرفت من صلاة مكتوبة ؛فلا تنحرف (تنصرف) إلا بانصراف لعن بني أمية ).
2- عن رسول الله أنه قال :(من تأثم أن يلعن من لعنه الله ؛فعليه لعنة الله ).
3-في زيارة الناحية عن الإمام المهدي – عجل الله فرجه - أنه قال:(ولأبكين عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك...)
4-في الرواية (لما قتل الحسين بن علي ع لبس نساء بني هاشم السواد والمسوخ ...وكان علي بن الحسين ع يعمل لهن الطعام للمأتم ).
5- عن الإمام الصادق أنه قال :(اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن شخوصهم ...فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس ).
6-لما أنشد الكميت – رضوان الله عليه - على الإمام الصادق قصيدة في الحسين رفع الإمام يديه قائلاٍ:(اللهم اغفر للكُميت ما قدمَّ وأخر ،وما أسَّر وأعلن،وأعطه حتى يرضى ).

*ومن ذلك قول متنبي العصر، الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري رحمه الله:
فيا بن البتول وحسبي بها  *  ضماناً على كل ما أدَّعي .

في الختام:استغفر الله من كل وهن وزلل قد يكون في هذه العجالة ،وعظم الله لنا ولجميع المسلمين سَيما شيعة علي .وصلى الله على محمد وآله الأنوار .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
عبدالعزيز آل حرز
[ قطيفي - حمامي الهوى ]: 16 / 12 / 2010م - 1:02 ص
أَنا ( عابسٌ ) ودَمِيْ شاهدٌ
وسَلْ " قامتي " .. كيفَ يحلو الجُنُونْ ؟

أمُدُّ إلَى السَّيفِ رأسي ،
كذا إِذا مرَّ يومُ الحُسينِ أَكُونْ

" أُطَبِّرُ " أشدُو بـ يا زينبٌ
هنَا محملٌ .. والدِّماءُ تهُونْ !

فإِنْ قيلَ ضلَّ .. !
لهُمْ قلتُ : يا لذاكَ الهَوى العَذْبِ يَسْبي العُيونْ !

فدَعْني وحُبَّ الحُسينِ ،
أنَا جُنونٌ تلا في هواهُ جُنونْ


-------------------------------

تحياتي لك ولقلمك الجميل أيها الأجمل يا أبا جواد ،
2
السيد هاشم الساده
18 / 12 / 2010م - 5:58 ص
استاذنا وعزيزنا الاخ ابا جواد

ماكان ليكون افضل من مقالك الرائع هذا ردا ودرعاً لدرء الفتن و محاولات التفريق القائمه علما بان ردك هذا هو من شخص عادي ومحب للحسين

فما بالك ان كان الرد من مرجع من المراجع العظام ؟؟!!

ان جل ما نمر به في مجتمعنا هو من حالة التفرد والتوحد في مجتمعنا ورفض التعدديه وعدم احترام اراء الاخرين مع فرض الرأي الواحد فقط


شكرا لك اولا على هذا المقال وشكرا لهذه العقليه الناضجة والتي تخاطب العقل والحس الحسيني في ضمير القارىء

في النهايه حفظك الله من كل مكروه من كل الشرور والاحقاد

اخوك السيد هاشم
3
Mofeed
[ Saudi - Alqateef ]: 21 / 12 / 2010م - 7:11 م
السلام عليكم جميعا

رائع جدا جدا يااستاذ ابوجواد ،قلم اكثر من رائع ،إلمام رائع عن هذه الشعيرة المظلومة ،لاجف يراعك عزيزي .