السودان.. ثم ماذا ؟

( من أجل ألف مليون دولار ) عنوان رواية للكاتب الأسباني ألبرتو فيكيروا. الألف مليون دولار هي قيمة العقد البريء جدا الذي وقعته شركة هاليبورتون مع الحكومة الأمريكية بوساطة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق والعضو البارز في إدارة الشركة. يقضي العقد بأن تقوم الشركة بتقديم الخدمات للجيش الأمريكي عند وقوع إحدى حالات ( الضرورة ) من كوارث وحروب وظروف استثنائية. ولأن الشركة لم ترغب في انتظار ( ضرورة ) قد لا تأتي، فقد قررت أن تجيء بها من خلال إقحام أمريكا في حرب ضد دولة متهمة بحيازة أسلحة الدمار الشامل، هي العراق؛ وهكذا كانت الحرب. بالطبع كانت هناك أهداف كثيرة في الأجندة الغربية لغزو العراق، من بينها إخراجه من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وتفتيته إلى دويلات ضعيفة.

والسؤال: من يجيب أن نلوم؟! هل نلوم أمريكا والغرب على مخططاتهما التي يجري تنفيذها على قدم وساق لتحقيق مصالحهما الاستراتيجية، أم نلوم الحكومات العربية التي وفرت البنية التحتية اللازمة – من حيث تدري أو لا تدري – لتمرير المشاريع الغربية التي لا تريد خيرا للمنطقة بأسرها؟!

لماذا لم يستطع السودان أن يحافظ على وحدة شماله وجنوبه؟ وكيف تحول مشروع ما سمي بالوحدة الجاذبة إلى سراب؟ ولماذا بقيت الدول العربية تتفرج على المشهد حتى آخر لقطة فيه دون أن تحرك ساكنا، وكأن الأمر لا يعنيها أو كأنها أمام القضاء المحتوم الذي لا يرد ولا يبدل؟
ولماذا يطرح الحراك الجنوبي في اليمن انفصال الجنوب، وأكراد العراق مسألة تقرير المصير؟

ما حدث في السودان هو بداية لمشروع أكبر لم يعد خفيا إلا على الذين لا يقرؤون. المشروع يستهدف تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، أو بعبارة أوضح تفتيت الدول العربية على أسس جديدة عرقية أو دينية أو طائفية أو غيرها؛ ولأجل تحقيق ذلك يتم استثمار مجموعة من عوامل الاحتقان والتوتر الداخلي للدفع باتجاه التقسيم.

كتب الروائي المصري علاء الأسواني:الكلام يتردد كثيرا عن مخطط استعماري يستهدف تقسيم مصر بواسطة استحداث نزعات انفصالية، وهذا المخطط يجد في النوبة هدفا مثاليا، فمنطقة النوبة ممتدة بين مصر والسودان، والنوبيون لديهم ثقافة خاصة ولغة مستقلة، وقد تم إنفاق عشرات الآلاف من الدولارات في جامعات غربية من أجل تحويل اللغة النوبية من لغة منطوقة لم تكتب قط، إلى لغة مكتوبة لها قواعد.. ونظرية المؤامرة هنا تؤكد أن الاهتمام الغربي البالغ بالنوبة يستهدف الدعوة إلى ثقافة نوبية مستقلة وموازية للثقافة العربية، فبعد كتابة اللغة النوبية ستتم المطالبة بتدريسها في مدارس النوبة وهكذا يتم دفع النوبيين خطوة خطوة نحو الانفصال الثقافي ثم السياسي..

ثم يضيف: وبالرغم من غرابة هذا التصور إلا أنه في رأيي ليس مستبعدا. وما فعله الاستعمار مع البربر في الجزائر والأكراد في العراق، يؤكد أن تمزيق الأمة العربية إلى قوميات وملل وأجناس متناحرة هدف استعماري أصيل وقديم..

ثم يستدرك قائلا: لكن هذا المخطط، إذا صح، لا يبرر إطلاقا الاستمرار في ظلم النوبيين وحرمانهم من حقوقهم.. بل على العكس، إن اضطهاد النوبيين وظلمهم وقمعهم بهذا الشكل هو الذي سيؤدي في النهاية إلى إذكاء مشاعر الكراهية والمرارة نحو الدولة التي ترفض أن تعترف بأبسط حقوقهم الإنسانية.. إن الطريق الوحيد للقضاء على المخطط الاستعماري في النوبة هو إنصاف النوبيين؛ لأن الدول المحترمة يتم تحصينها بالعدل وليس بالقمع.
إذن المخطط يبدأ بالسودان ليتجاوزها إلى غيرها مستغلا حالات التهميش والإقصاء والمواطنة المنتقصة التي يتعرض لها بعض المكونات الاجتماعية العرقية كالبربر والأكراد أو الدينية كالمسيحيين أو الطائفية كالشيعة ليحقق ما يصبو إليه.

ومن هنا فإن المسؤولية الكبرى تقع على صانعي القرار السياسي في الدول العربية لتحصين مجتمعاتها ضد فيروس نقص المناعة الوحدوية من خلال تكريس مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة وبسط العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد بكافة أشكاله والمحسوبيات الفئوية والمناطقية وغيرها. وهو أمر يجب أن يحتل أولوية قصوى لأنه لا يحتمل التأجيل.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد العبد العال _أبو جواد
[ أم الحمام ]: 16 / 1 / 2011م - 12:42 م
في الرواية عن حكيم الزمان مولانا علي ع (من ضيعه الأقرب !أُتيح له الأبعد !) وهذا ما يبرر هجرة العقول للغرب ! وهذا ما يبرر بث المشاكل الأُسرية للأصدقاء والأخصائيين ! وما يبرر انتشلر السرقات وما يفسر البعثات الدراسسية للخارج ووو. ونأمل مستقبلا مشرقاً بالعدل الإلاهي ، ودام قلمك الشريف أستاذنا الحكيم .
شاعر وأديب