بين مَحطّات الحَياة وعلى مُفترقٍ من الطُرق
فِي قِطَار الأيّام وبَينَ مَحطّاتِ النّوافِذْ وعَلى السِكَكِ الحَدِيديّة وتَعرُّجَاتِها التَي تُذَكِرُنَا بِمصَاعِبِ الحَياة .. نَمشِي لِمُختَلفٍ مِنَ التَجَارُبِ و الحَوادِثْ فَكُلٌ يُجَازَى بِحَسَبِ صَبرِه ..
يَخْتلِفُ المُسَافِرُونَ بِكَثْرَةِ أمْتِعَتَهُم ومَا تَحْتَوِيهَا وتَخْتَلِفُ حَيَاةُ النّاسِ بِأعْمَالِهُم الطّيِبَة والخَبِيثَة ..
تَخْتلِفُ أجْنَاسُ الرُّكَابِ ولُغَاتِهم ولكِن وُجْهَتُهم لا تَتَغَيّر فَكُلُهم رُكّابُ قِطَارٍ واحِد و كُلُهم مُتّجِهونَ لِبَلَدٍ مُعَيّن .. كَمَا الحَياةُ فِيْها العِبَادْ مُخْتلِفَةٌ أدْيَانُهم ، أحَادِيثُهم وألْوَانُهم ولكِن جَمِيعُهم لله الخَالِقِ الجَبّار ..
فَإنْ حَصَلَ لِلقِطَارِ حَادِثٌ مَا لا سَمَحَ الله فَجَمِيعُ الرُّكَابِ سَتَتَضَرر بِاخْتِلاف مَرَاحِل الألَمِ والمُعَانَاة إنْ لَم تكُن نِهايتَهُم المَوْت .. كَذلِكَ الكَونُ والحَيَاة فَكُلٌ مِنّا تَخْتلِفُ أوْجَاعُه ومَصَائِبَه .. آلامُه وَقُدُرَاتُه .. وكُلُ تَجْرِبَةٍ لإنْسَانٍ مَهْمَا يَكُن فَنِهَايتُه المَوْت ..
ولا يَخْتلِفُ مَوْتُ الفَقِيرِ عَن الغَنّي ..
ولا مَوْتُ الحُّر عَن العَبْد ..
ولا مَوْتُ الكَبِيرِ عَن الصّغِير ..
فَوِجْهَتُنَا القِيَامَة لِرَبٍ وَاحِد بِكَفَنٍ أبْيَض .. بَعْدَها ..! كُلٌ مُجَازَى بِعَمَلِه ..
مَعَ كُلِ تِلكَ التّشَابُهَات بَينَ مَحطّاتِ الحَيَاة والسِكَكِ الحَدِيديّة إلا أنّه ثَمّةَ اخْتِلافٌ غَرِيْبٌ وعَظِيم ولا وَجْه لِلمٌقَارَنَةِ بَيْنَهُمَا فَقَدْ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ الحَادِثُ خَطَأً مِنَ السّائِق وإنْ كَانَ مِنْ تَقْدِيرِ الله فَذَلِكَ قَضّاءٌ وَقَدَر ..
فَلا مُقَارَنَةً تُذكَر بَينَ سَائِقٍ يُدِيرُ أمْرَ الرُّكَابِ فِي حَافِلَةٍ أو قِطَار .. وبَيْنَ مدّبِرِ الكَونُ والأمُور الوَاحِدُ القَهّار ..
فَكُلُ أمْرٍ مُقَدَرٌ مِنْه فَهُوَ خَيْرٌ لَنَا وإنْ أخْطَأنَا فِي حَقِّه أو أسْرَفنَا فَهُوَ دَائِماً مَنْ يُنْعِمُ عَليْنَا بِأفْضَالِه بِخِلافِ السّائِق فَإنْ لَم يَكُن خَطَأه قَدْ يَكُونُ انْتِقَاماً لِخَطأٍ مِنَ الرُّكَابِ ولكِنْ .. مَا عَلى الله اعْتِرَاضْ أو عَلى السّائِقِ مِنْ ذَنب ..
فَكُلُ شَيءٍ مَقْدُورٌ ومَكْتُوبٌ عَليْنَا وإنْ وُجِدَ ما يَدْفَعُ البَلاءَ عَنّا بِكَرَمٍ مِنَ الله ..
فَلنَكُنْ مُسّلِّمِيْنَ لِأمْرِنَا مُتَوكِّلِيْنَ عَلى مَنْ هو أحَقُّ مِنَا عَلى أروَاحِنَا بَدَلاً مِن أن نَسْتَسْلِمَ لِحَوَادِثِ الحَيَاةِ ومَشَاكِلِهَا ..
فَكُلِ مُصِيبَةٍ تَجِدُ لهَا حَلاً فِي قَلْبٍ صَادِقٍ يُؤمِنُ بِوحْدَانِيّةِ الله وعَظَمَتِه وخَيْرِه ..
وَكُلُ مَعْصِيَةٍ يَعقُبُها نَدم ولا طَرِيقَ لها سِوى التوبَة الخَالِصَة لله جّل وعلا ..
وَكُلُ فَقِيْرٍ له رَبٌ يَكْفُله ..
وَكُلُ مَرِيْضٍ له رَبٌ يُشْفِيْه ..
وَكُلُ غَرِيْبٍ له رَبٌ يُؤنِسُه ..
وَكُلُ سَائِلٍ له رَبٌ يُجِيْبُه ..
وَكُلُ عَاشِقٍ لآبّد لِلرّبِ أنْ يَكُونَ حَبِيْبُه ..
فَنِعْمَاً بِكْ سُبْحَانَكَ رَبّي مَا أقْدَرَك ..