كلمة حق في زمن جائر

شبكة أم الحمام بقلم سماحة السيد حسن النمر الموسوي

لمن ابتلي، مثلي، بالإدمان على متابعة الشأن العام؛ عبر وسائل الإعلام، يكاد يصيبه الغثيان من بعض ما يرى ويسمع. فالتطاول على (الآخر) صار هو السمة العامة للحرب الإعلامية الدائرة بين من يفترض أنهم (أشقاء) تحكمهم علاقة الأخوة الإسلامية. غير أن سُعار الخصومة أخذ بالجميع إلى شفير هاوية وحافة واد سحيق لا يرجى فيه نجاة؛ إن لم يتناد العقلاء والنافذون إلى الدعوة الجادة والصادقة إلى التعايش والمحبة والتعاون.
شاءت الأقدار أن تكون دول الخليج العربية متعددة المذاهب، ففيها السنة وفيها الشيعة، وفي الطرفين تيارات واتجاهات تلتقي في أمور وتختلف في أمور. ولم يكن الاختلاف - بمجرده - ولا ينبغي أن يكون، سبباً لمثل هذا السُّعار الدائر لأنه لن يجر غير أحقاد بين أبناء المجتمع الواحد تؤدي إلى بث روح الشك والريبة بين الأخ وأخيه، الأمر الذي يدعو كلا منهما إلى التحفز للدفاع عنه نفسه بما يراه كفيلاً لرد العدوان ودفع المعتدي، وسيُفتح عندها بابُ شرٍّ على الجميع سيُستغل قطعاً من قوى خارجية لا تضمر الخير للدين والأمة والمنطقة.
السنة - بطبيعة الحال - ليسوا نواصب، كما أن الشيعة - بالتأكيد - ليسوا روافض ولا صفوية، بل إن هؤلاء وأولئك مسلمون على رغم أنف المتطرفين من هنا وهناك، كما أنهم مواطنون في أوطانهم وولاؤهم لهذه الأوطان وليس لبقاع أخرى.
نعم، ثمة اختلافات بين الفريقين، لكنها اختلافات يمكن استيعابها على مستوى العيش المشترك، فلا تلازم أبداً بين الأمن ووحدة المذهب، ولا أعتقد أن هناك من يدعو إليه سوى حفنة شاذة لا يعتد برأيها.
ولا يقلل من حمأة هذا السعار أن يوجه الاتهام إلى شريحة معينة ثم يأتي الاستثناء بطريقة خجولة تكاد تحترق من اللهب المرتفع من نار الفتنة المتقد.
إن الشيعة في الخليج - وأنا أحدهم - لا يقبلون أبداً الطعن في وطنيتهم لأنهم مختلفون مذهبياًّ مع شركائهم في الوطن (السنة)، ولا يمكن أن يقبلوا بأن يتهموا في ولائهم لأنهم أقرب مذهبياًّ مع جمهورية إيران الإسلامية، وليس من الحكمة السياسية أن يُتلكأ في تحقيق مطالبهم المنقوصة التي هي أصلاً متواضعة ولا تخرج عن حدود العدل والمعقول.
نقولها بالفم الملآن : إن المواطن الشيعي في الخليج مهتضم في مواطنته، على اختلاف في ذلك بين دول الخليج فهم في عمان والكويت أفضل حالاً منهم في البحرين والسعودية.
وقد نختلف في الإقرار بهذه الحقيقة تبعاً لمعنى العدل الذي ننطلق منه، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بنا إلى ننتهي من تحديد المفاهيم للمقولات التي يفترض تجسيدها على أرض الواقع عبر الأنظمة والتعليمات.
إن القفز على هذه الحقيقة يدفع بالأمور إلى التأزم أكثر فأكثر، كما أن التصعيد الإعلامي ضد الشيعة واتهامهم بالتبعية لإيران لهو أكبر هدية تقدم لإيران لو كنتم تعلمون، لأن أصحاب هذه المقولة الظالمة والسخيفة يجرحون المواطنين الشيعة في وطنيتهم التي لا يقبلون لأحد أن يزايد عليها، فإذا ترجم هذا الاتهام بسلوك تحريضي وإقصائي يعبر عنه بمقالات صحفية وبرامج تلفزيوينة وإذاعية وخلاف ذلك، إذا ترجم كذلك فإن عواقبه لا تخفى على عاقل.
ولا يفوتني الإشارة إلى قبح ما يرفعه بعضهم كفزاعة على الشيعة في الخليج وهو حقوق السنة في إيران. ولا أدري بأي منطق يربط بين هؤلاء وأولئك فالله تعالى يقول ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[18/فاطر]، فليس من الإنصاف أن يرتهن ملف الشيعة في الخليج بملف السنة في إيران لأنه مساومة رخيصة وغير أخلاقية وغير منطقية بل خطيرة. ونحن لا نقبل لنا كمواطنين شيعة أن نكون ضحايا لملف آخر، وفي الوقت نفسه لن نقبل طبعاً بأي ظلم يقع على أحد في إيران أو غيرها.
إن المعالجة الإعلامية لملفات الإصلاح المطلوبة بالطريقة الحالية، وعبر التركيز على النعرات القومية والمذهبية، هو :
أولاً: أسلوب مخالف تماماً للعدل الإسلامي.
وثانياً: هو مجانب للحكمة السياسية.
وهو ثالثاً: تجسيد لجور عواقبه وخيمة.
لذلك وجدت نفسي أقول كلمة حق في زمن جائر. ولعل كلمتي هذه تكون حارة المذاق على بعضهم، ولكن الله من وراء