فزورة بن لادن
ورقة سياسية جديدة أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية على لسان الرئيس اوباما حيث استقبلنا صباح الأثنين(2مايو) وهو يعلن مقتل إسامة بن لادن لتكون مفاجأة الموسم ولكنها أقل وطأ من مفاجئات الربيع العربي ، اعلان مقتل بن لادن ليس إلا ورقة ذكية غبية في آن واحد للولايات المتحدة الامريكية التي أرادت من خلالها إحياء ذكرى القاعدة بعد فلول نجمها ومحاولة نسيانها ودفنها في ذكريات التاريخ ، أرادت بذلك توجيهنا لقضيته وإشغالنا عما هو أهم وإفتتاح مشروع فتنة جديدة ، إلا أنها نست أن الشعوب العربية لم تعد تثق او تصدق السياسة الأمريكية وانها سقطت قبل ومع سقوط الطغاة والحكام الحلفاء لها ونست من إنه " مافيش فايدة" حيث اصبح لدينا مناعة من تصديق الأرقوز الأمريكي المضحك وكم ضحكتُ حين رأيت أوباما وهو يلقي ويعلن الخبر بشكل بائس جداً لم يشعرنا خلاله من نشوة الفوز والإنتصار " الموهوم" ، الامر برمته قد جعل من أمريكا مضحكة وفي موقف الضعف والإستنجاد بأي امر يعيد لها قوتها وهيبتها فلم يكن فخرا لها القضاء على عدوها الأول "بن لادن" بعد مضي عشر سنوات من ملاحقته وإعلان الحرب على الإرهاب ، فهل جاء الخبر ليمرر على العالم نجاح مهمة الجيش الامريكي الفاشلة في افغانستان قبل انسحابه في يوليو المقبل وترميم سمعته التي طالها الكثير من النقد .!!، ثم لا غريب في الأمر فأمريكا صنعت بن لادن وامريكا تنفيه وتحرق ورقته وقت ماتشاء شرط ان يكون الوقت المناسب لتحقق من خلاله أيضا بعض المصالح ، فهي لا تخطوا خطوة دون وجود مصلحة تستنفد كل مافيها من رمق ، إنها الأوراق التي تحسن إستخدامها.
خطوة ظنت امريكا انها في صالحها لكن سرعان ما سترى وجه اخر في المنطقة العربية وسيقلب السحر على الساحر ، فاليوم وبعد أيام قليلة من اعلان الخبر ترتفع اصوات المطالبة بخروج القوات الامريكية من افغانستان والعراق والمنطقة العربية بأكملها بعد تحقيق الهدف كما تزعم، حتى وأن اوهمت امريكا حلفائها بأهمية تواجد قواتها في المنطقة لتصد أي ردة فعل تجاهها وفبركة مسرحيات من الإنتقام والهجوم لتبرر وجودها.
وهل ستوجه امريكا اصبع الاتهام لكل من يقوم بعملية ضد القوات الامريكية بإنها ردة فعل لتعزز من بقائها وتبرر عملياتها العسكرية في المنطقة! ، وليس غريباً أن نشهد في الأيام القادمة ظهور شريط على قناة الجزيرة يتوعد ويهدد في الرد والانتقام من امريكا وحلفائها فقد اعتدنا على الأمر ، فإعلان خير قتله في وقت حساس كهذا لا يعني القضاء عليه بل مزيداً من الارهاب في العالم فلا تفرحوا وتستبشروا.
وهل تمهد امريكا لإحتلال باكستان وجعلها واجهة اخرى لها وكلنا نعلم الحدود المشتركة بين ايران وباكستان مما يجعل الاخيرة مكاناً مغرياً لأمريكا ومخططاتها لعدوتها إيران ومحاصرتها باكستانياً وأفغانستانيا وخليجياً.!؟
لا اجد اوباما إلا وقد ظهر ورمى عظماً وترك الإعلام العالمي ينبح ويمجد ويصعد ويحلل ويسيس ويذكر ويرهب ويؤكد وينفي ويبرر ويبرطم و.. و.. وذهب هو للنوم ، وبقي الخبر العاجل عالقاً على اشرطة القنوات الاخبارية ليوم كامل " وكانها غير مصدقة" ، وكل من يرى الامر بعين الصواب يجد هذا التوقيت جاء لأغراض سياسيه واقتصاديه وانتخابيه ومثيره للتساؤلات، الخبر الذي يصعّد ماتبقى من فتنة طائفية وعنصرية وتذكيرا بإسلاموفوبيا ويعزز الحرب الطائفية التي ارادها في الخليج بعد ما فشلت في مصر و اليمن.
ومما يزيد الطين بلة أن أوباما قررعدم نشر أي من صور بن لادن وعملية دفنه"رميه في البحر" في الاعلام خوفاً منه على مشاعر"التكفيريين" وإثارة غضبهم ورغبتهم في الانتقام ، مع ذلك فقد صدق الشارع الامريكي وبعض العرب خبر قتل بن لادن فهل كلام اوباما قرآن نازل من السماء لايحتاج معه حجة ولا دليل ..!؟ ، في الوقت التي يشكك فيه الباكستانيون انفسهم من صحة الخبر ، فهل نستبعد من إنها قتلته قبل هذا بسنين ؟ .
فضلا عن ذلك مسرحية دفن جثته في شمال بحر العرب وفق التعاليم الإسلامية فهل ظن اوباما أن المثل العربي المعروف "أعمل خير وقطه بحر" آية من القرآن الكريم ..؟ ام دليل على فقر امريكا وضعفها واكذوبتها فالواثق من نفسه والصادق لا يفعلها ،ألا يجب على القوات الامريكية نقل جثته لبلادهم قبل رميها في بحر العرب ، أم إنها نقلتها ثم عادت ادراجها والمسافة نفسها لترميه في البحر ..!! كل الاحتمالات فاشلة وتدل على سيناريو رديء جدا.
إما فكرة "كي لا يطالب احد بجثته" اختلقتها لتجد لها عذرا وتبريراً ،وإما كي لا يكون قبره مزاراً ومنطلقا لإتباعه أغبى من سابقتها فأتباعه لا يعترفون بزيارة القبور اصلا ،ثم انه لا يوجد في الشريعة الاسلامية تعاليم الدفن في البحر وهو قد مات على الأرض وقد علمنا الإسلام بأن حرمة الإنسان حيا وميتا على حد سواء فمن حك لحيته وأخبرها بإنه جائز شرعا سواء اعتبره مسلماً او كافراً ، فياله من تخبط واضح فحدث العاقل بما يعقل!.
كل هذا ليس بأهمية مارأيناه من أصداء الخبر ، كنت قد كتبت ساخرة في تويتري : لعلنا سنرى من يخرج من المسلمين ويقول ان بن لادن شهيد ومجاهد وبطل ورمز ..!! وسرعان ماظهرت تلك الأصوات في العلن واحتفت به وحسبته على الاسلام وكم اوضح لنا خبر قتله عدد محبيه ومتبنيه فكره في العالم العربي للأسف ، بل رأينا تخبطاً أخر بين المسلمين على مستوى المسميات فمنهم من اعتبره قتل ومنهم من اعتبره استشهد فكما هو واضح من إننا نعشق الإنقسام على أي شيء ، فيالله اجرنا من هذا الزمان فنحن في زمن الاسترحام على المجرمين امثال بن لادن فكيف نأمن على انفسنا ، وليساعدنا الله على الفتنة التي تزداد مع كل خبر مفتعل في المنطقة.
ولكي لا يطول المقال هنا سيكون حديثي عن الاصداء في المقال التالي ان شاء الله.