اعتكاف فكرة
أهدي هذه القصيدة إلى من غاب عن الأرض باحثاً عن الشمس، إلى أخي السيد نذير الماجد. وإلى الأحرار الذين تبحث عنهم الشمس. وإلى أمي وأبي اللذين ينتسب لهما كل فعل لي يُحتمَلُ أن يكون خيراً.
أراكَ حَبِيـسَ الفكـرِ وَالفـكـرُ مـرشـدُ وَتَسْتَـرِق الأسـمـاعَ يُرعِـشُـكَ الـغَـدُ
أخي هاجَـت الأَحـزانُ تنسـجُ غَزْلهـا وَتَـنْــســجُ بــحـــراً مـــــدُّه يـتــوعــدُ
فــإن فــارَ بـحــرُ لـلـزمـانِ تَهَـيَّـجَـت عَـصُــوفُ الـرَّزايــا بـالـبـلا تـتـهــددُ
فحـيـنٌ يـمـدُّ البـحـرُ أمــواجَ حـزنــهِ وحـيـنٌ يَـحِـلُّ الـجـزرُ فـيــه فنـسـعـدُ
غَــدَا حُزنـنـا السـاقـي بـبـحـرٍ كـأنــه بــجـــزرٍ ومـــــدٍّ دائـــمـــاً مــتــجــددُ
وإن سَار في جُرح الزمان صروفُـه فـقـد ســـال مِـــن جـــرحٍ دمٌ مـتــرددُ
أخـــي لَـــمْ تـخـنّـا أبــحــرٌ لـزمـانـنـا فقـد دار فيـه الـمـدُّ واغتالـنـا الـعـدُو
أخـي لــم تــزل أمالـنـا مــالَ ساقـهـا لتـبـدي جـمـالاتٍ فيـدنـو لـهــا الـغــدُ
فـقـد أَبــدت الآمــالُ منـهـا محـاسـنـاً لتُـغـري بِـهـا الأجـيـالَ فيـهـم تعـربـدُ
أخـي هَمْهَمَـتْ أحزاننـا طـال حبلـهـا لتـخـطـف أقـــدراً ويخـطِـفـهـا الــغَــدُ
غـدٌ راودت فيـه القـضـاء فأصبـحـت كــــدولاب أقـــــدارٍ تـــــدوِّره الــيـــدُ
يدٌ خُطّ في عرقٍ لهـا السّعْـد والشّقـا ولـمّـا عَـلـت عجـفـاء تـدعـو وتعـبـدُ
ففاضت عيون الدمع شوقـاً وأيقنـت بــأن ثبـاتـاً فــي الـصــلاح سيـسـعـدُ
أبـى الـوِرْدُ إلا أن يراقِصَـه الـجـوى فـعــاد ينـاجـيـه الـخـشــوعُ الـمـقـيـدُ
أبــى الــوِرْدُ إلا أن يـراقـص لـحـنـه فـقـد نــاح بالعصـيـان حـــيٌّ مـجـمّـدُ
وأَعْـرِض عــن الأوراد دُون هـدايـةٍ فـإن ســراب اللهو ِواللـغـوِ مُبْـعِـدُ
ألم تحـكِ عـن فكـرِ الجمـودِ وفتكـه؟ وأن اعتكـاف الفكـر للنـاس مـرقِـدُ؟
وقد ذِعت يوماً ما مراميـك والهَـوى وقــد أينـعـتْ نــوراً بـفـكـرك تـسـجـدُ
وجاوزتِ في الرّؤيا وأشعلتهـا ضِيـاً وإن راودتك الشمسُ فالحـقُ مقصـدُ
ودافعـتَ عـن رؤيـاك حبّـا ولـم تـزل تُحصحـصُ برهانـاً بـه الحـقُ يشـهـدُ
فـــلا تـلـمـسـنّ الــحــقَ إلا بــجــذوةٍ لـتـغــدو كـسـلـمـانٍ هــــداه مـحـمّــدُ
ولا تمـش فـي هَيْـلٍ فيرمـيـك جُـرْفُـهُ فــكــل حـقـيـقـات الـطــريــق تُـعــبَّــدُ
فقُم من هجوعِ الليـل قـد بـحُّ صوتـه وأصـغِ للـحـن الـحـق نــاداك مُنـجـدُ
فــــروحٌ وريــحــانٌ ودفءٌ بــجــذوةٍ مـن الـحـق نـبّـاع وصـفـوٌ وعسـجـدُ
ويحلـو رُقـادٌ فيـك إنْْ جـاء شاكيـاً لـك الحلـمُ لـو يحـبـو حوالـيـك يـرقـدُ
ويحلو إذا ذاب السُّهاد علـى الكَـرَى يـجـاريـك أفـكــاراً نــيــامٌ تـسـهّــدوا
أبــا الهـاشـمِ البـاكـي علـيـك بمقـلـةٍ فهـاجـت بُـحـور الشـعـر فــيّ تعـربـدُ
أبا الوردِ من يَرعى التي هاج عمُّها بـكـاءاً ودمـعـاتٍ فـحـارَ بـهـا الـعـدُو
دمُ القـلـبِ بـالأشـواق يهـتـزّ حـاكـيـاً فصار الجوى لحـنٌ بـه العيـش أنكـدُ
ترقرق دمـعُ الأمِ يجـري كمـا النـدى علـى وجـنـة الأزمــان كـحـلٌ مُـمَـرَّدُ
ووالـدِه عصـفٌ لـه الـرَّوْح والصَّـفـا بـحــزنٍ كـمـثـل الـغـيـم جـــوٌ مـلـبّــدُ
فحـاطـت بوجنـاتـي ســواداً بدمـعـهـا على وجنتـي قَصَّـتْ فصـارت تُهَدهِـدُ
فـصـارت تـنــادي بـالـصـلاة شـجـيـةً ولــلـــحـــزن أورادٌ وللهم تـــعـــبـــدُ
يـكــادُ سَـنــا بـــرقٍ كــنــارٍ بـظـلـمـةٍ فيبدوا هجوعٌ فيه في السجـن مرقـدُ
وأن سـهــاداً فـيــه صــــار كـغـفــوةٍ وصـيـحـات مـظـلـوم تـهــزُّ وتـرعــدُ
فــلا بــد للصيـحـات تـغـدو تـظـاهـراً فيخزى به الطاغي ويَعْرى به العـدُو
فـأيـقـظـه حــــزن فــــأزَّت دمـــــاءَه غــدا فــي مطـامـيـرِ الـظــلام يُـهــدِدُ
أخـــي قـــم فـــلا ذُلّـــت أبـــاةٌ تُـهــدد فـقـد هــدد الطـغـيـان جـــرح مُـمَــدَدُ
وقـم واعـدد الأيـام مـن بعـدِ سبتـهـا فـقـد فـاتـنـا عـــدٌّ وحـــارَ بـــه الـغَــدُ
ولا بــد أن تـلُـقِـي دُروسَـــك بـعـدهـا فَعنْ سَاجِن الأعـدادِ قَـدْ فـات مَوْعِـدُ