شفيق الومض في رحاب أمسية الشاعر شفيق العبادي
"لا بأس اعذروني كلما خانتني عبارة ٌ و غدرت بي جملةٌ و استوقفتني مسافة ٌ
و أسعفتني ناقصة ٌ علامة التعجب
من أي حرف أبدأ يا شفيق ؟ و أنت أنت "
هكذا بدأ مقدم الأمسية الشاعر حسين اللباد لتعبق أنفاس الحاضرين شوقا ً للشعر . و ما أفتأ الصمت ُ حتى ضمّخ الشاعر أبا فراس قلوب المتلهفين بزيت اللغة و رش ّ عليها من نبيذ الجمال ...
" حينما تشعل ُ عود َ ثقاب ٍ فأنت َ تغسل ُ العتمة َ عن قدميك
و حينما تمسك بإزميل ٍ لتداعب َ صخرة ً فأنت تحررها من عشقها الأبدي
أما حينما تتجاسر على خلوة ( قصيدة ) فأنت تنفض ُ الرماد َ عن كل الحرائق "
و من هنا ابتدأ يصدح ُ الناي الموتور في حنجرة ِ الشاعر ِ شفيق العبادي لتسافر معه
عقول الجمهور قافلة ً تقودها ألحانه المدهشة . و أي دهشة ٍ كانت !؟
فقد هدأ الليل و استشفت النجوم ُ وميضها احتراما ً لنزول ِ القمر مع الحضور
حيث أن القمر لم يجد مقعدا ً ليجلس ! فالحضور ملأ المكان و كان شفيق الملك .
و ما كان شعرا ً فقط . كيف يكون شعرا ً و الجمال و الإنسانية تجتمع في قلبه
لتنادي لنا ( سيد البيد ) . نعم هو عراف الشعر كما أحب مليك الأمسية أن يلقبه
كانت روح محمد الثبيتي ( رحمه الله ) حاضرة ً مع شفيق . حيث أطلق عليها
بـ سادن البرق ..
" سرى البرق ُ يا سادن البرق فينا ، و كنا على موعد ٍ نستحث ُ المطايا
و بين الهوى و النوى طرفة ٌ و الهوادج ُ تطوي عن البيد لحنا ً ..
و كانت كؤوسك َ تتركنا في مهب الصباح عرايا
لتروي الشواطئ عن سر ذاك َ النبي الذي كان يبذرنا في رمال القصيدة و البحر ِ ..
مكتحلا ً حينها بالحكايا
هي الأرض ُ من حرزته بكل الحروف ِ التي اختمرت في الرمال ِ
و أوحت لعينيه ِ كل الغيوم ِ التي كان ينثرها .. كالهدايا "
و لم يتوقف شفيق بأسر أرواح ِ الحاضرين فقط . بل سقاها من فؤاد ِ العاشق ِ
المحمّل ِ بالذكريات و الجموح ما يكفي ليكون الجميع عاشقا ً حينها ..
كيف لا .. و قد وقف المكان ُ في المكان ِ ليصفق !!
" تأخرت عن موعدي يا رفيقة َ عشرين عاما
فرشت لياليّ بالانتظار ِ طويلا ً و جمر الأرق
نديماي نوح الحمائم ِ تنعاك ِ لي و الورق
و خابية ٌ خبأتني جدائلها رشفة ً كلما فاض كأس التجلدِ ، أسرجت أفراسه فاندلق
بما كنت أغرس ُ جدرانه بالتعاويذ ِ من حنطة ِ الشوق ِ
حتى تفوق ُ برائحة ِ الاشتهاء ِ ، و ترغو بطعم الشبق
صغيران كنا بمقتبل الحلم ِ نرعى الهوى في الهزيع ِ الأخير من القلب ِ
حتى إذا انبلجت زهرة الحلم فيك ِ ، فأدلجت و انشق ما بيننا المفترق
فما دلني غير عينين بالأمس كنت أنازع ُ فيها الغرق "
و تخللت الأمسية قراءة في تجربة الشاعر قام بها الشاعر و الناقد الأستاذ حبيب محمود حيث عرّفنا على تجربة شفيق مذ كان شابا ً إلى لحظتنا هذه .
و قد بيّن حبيب محمود مدى شاعرية شفيق منذ بدايته و أي سر ٍ يحمل في لغته.
فمحطاته الشعرية لم تكن بمحطات ِ التوقف و التزود بل كانت عوالما ً سيّارة ً
في مدار ٍ لا شمس َ له ُ ، لا نور ، غير الضاد و أخوتها السبعة و العشرين .
و بعد القراءة واصل شفيق بإلقاء بعض النصوص الساحرة ليملأ ( الضيعة ) ألق.
و أخيرا ً و صلنا للحد الأقصى . اختتمت الأمسية بتكريم شبكة الرامس و الوكر الثقافي للشاعر و لكل من المذيعتين الإعلاميتين حوراء البوعينين و أفراح عبدلله إضافة ً للمخرج و الإعلامي الأستاذ طالب التريكي على مجهوداتهم الكبيرة و عملهم
المميز . وبكلمة الختام للأستاذ علي الشيخ .
كانت الأنفس ُ تتمناها ليلة ً غير متناهية .. و لكل لا بد من النهاية لنختم
كما ختمها أبا فراس
" سأغفو قليلا ً
لأدهن َ ناصية َ البحر ِ من حلمي
سوف أشرد في خصلتيه بدون إياب
و إن سألتني النوارس ُ عن سر هذا الغياب
سأترك بوصلتي كي ترد الجواب " .