نص كلمتي ليلة ختام فاتحة المهندس

نفوس وقودها الحب

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لماذا حدث ما حدث؟ لماذا كان التشييع المهيب في جنازة الفقيد الراحل، والحضور المتألق في مجالس فاتحته؟ ولماذا كل هذا الحزن الذي كان عادلا جدا في توزيع نفسه على قلوب الجميع؟

الإجابات قد تكون متعددة، لكني سأحصرها في إجابة واحدة، هي الشعور بالخسارة لفقد رجل كبير مثل أبي أحمد.

ومن هنا سأنطلق. فبلادنا الغالية في أمس الحاجة وبالذات في الظروف الراهنة إلى رجال ذوي نفوس كبيرة.

وإذا كانت النفوس كبارا         تعبت في مرادها الأجسام

النفوس الكبار هي نفوس وقودها الحب، تعطي بحب، وتبذل وقتها وجهدها ومالها وجاهها وعلمها بحب. تعطي للآخرين دون أن تنتظر منهم شيئا: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا.

وهل الدين إلا الحب؟ هذا ما قاله الإمام الباقر عليه السلام لأبي عبيدة الحذاء عندما سأل الإمام مستفسرا عما يعتريه من تغير إيجابي في حاله عندما يذكر حبه لأهل البيت عليهم السلام، فقال له الإمام: يا زياد، ويحك، وهل الدين إلا الحب؟

النفوس الكبار كأبي أحمد تحب الجميع وتعطي للجميع.

والنفوس الكبار نفوس جاذبة غير طاردة، جامعة غير مشتتة. تستوعب المختلف، ولا ترى في اختلافه شيئا منفرا أو داعيا إلى الخصام والنزاع. بل تراه عاملا محفزا للقاء والعمل المشترك.

 النفوس الكبار كأبي أحمد شخصيات توافقية تستقطب تحت عباءتها الكفاءات المختلفة، وتنشد نحوها كافة الأطياف الاجتماعية، فتلقى منها الدعم والتشجيع والمساندة.

النفوس الكبار كأبي أحمد طامحة إلى إنجاز الأفضل لمجتمعها. تتطلع دائما إلى أن ترى بلادها مكتظة بالمشاريع، متنافسة في الخير والعمل الصالح. تحاول ما أمكنها تذليل العقبات وتسهيل الصعوبات.

عندما تم إشعار جمعية أم الحمام الخيرية بقدوم وزير العمل والشؤون الاجتماعية إلى المنطقة الشرقية في خلال ثلاثة أيام، وأن عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا مستعدين لزيارة الوزير حتى يتم وضعهم في جدول زياراته. كان الوقت ضيقا جدا، لا يكفي لإعداد الدعوات وتوزيعها وإجراء الاتصالات وغيرها من الأمور البروتوكولية الأخرى اللازمة لنجاح الزيارة. وكان البعض في الاجتماع الذي حضره عدد من رجالات البلد لمناقشة الرد المناسب إيجابا أو سلبا، كان البعض يميل إلى أن الوقت لا يكفي، وأن الاعتذار هو الرد الأفضل.

ولكن أبا أحمد رفض ذلك بشدة، ورأى في الطلب فرصة سانحة كي يأتي الوزير ويطلع بنفسه على المشاريع، وليدعمها مستقبلا، وأبدى استعداده الكامل للتفرغ لهذا الموضوع، وهذا ما تم بالفعل. وكانت الزيارة ناجحة.

النفوس الكبار كأبي أحمد نفوس تتسامى على آلامها وجراحاتها فتبعث أجمل الرسائل لمن حولها، وهي تئن في صمت وسكون. يقول لي مواسيا في فقد زوجتي: كلنا لقضاء المولى صابرون محتسبون، نتلذذ الصبر طعاما شهيا.. سبحانك يا رب سبحانك.. إن في قضائك ما تحتار فيه العقول إلا أننا له مسلمون لعلمنا أنه من رب رؤوف رحيم.. رحماك يا رب رحماك.

وعندما زرته في المستشفى بناء على طلبه وكان في العناية المركزة، وكنت متماسكا مشفقا عليه من الانفعال، إلا أنه أصر على احتضاني وتقبيلي من خلف قناع الأوكسجين، وشد على يدي معزيا مواسيا.

النفوس الكبار كأبي أحمد تحث الآخرين وتدفعهم للنجاح، بفلسفة يؤمن بها ذكرها في إحدى رسائله:

-       النجاح جبل لا تستطيع صعوده ويداك في جيبك.

- إذا صعدت الجبل فانظر إلى القمة، ولا تلتفت إلى الصخور المتناثرة حولك.

- اصعد بخطوات واثقة ولا تقفز فتزل قدمك.

لقد فقدنا بالفعل نفسا كبيرة، أدت رسالتها ورحلت إلى جوار ربها. وبقي الدور علينا أن نكمل المشوار.

قد يقول البعض إن أبا أحمد خسارة لا تعوض، وهذا القول صحيح، إلا أنه لا يرضي أبا أحمد. لأنه يريد أن يرى أمثاله من الناجحين والطامحين كثرا في المجتمع، وأظن أن بإمكاننا أن نحقق ذلك إذا تكاتفنا وتعاونا وخططنا لبناء مجتمع ثري بذوي النفوس الكبيرة.

إن أملنا كبير بأن ينجب المجتمع جاسما وجاسما وجاسما، لنا أمل في أبنائه أن يواصلوا مسيرته، لنا أمل في كل محبيه الأقربين وغير الأقربين أن يكملوا دربه، حتى تقر عين أبي أحمد في قبره برؤية مجتمعه كما كان يريده متقدما زاخرا بالكفاءات ينعم بالمحبة والسلام والوئام.

 

 

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
المجدد
[ ام الحمام - القطيفف ]: 31 / 1 / 2012م - 8:11 ص
احسنت استاذنا واخونا ابو احمد على هده المشاعر الجياشة والطيبة والتي تنم عن علاقة سنوات طويلة مع علم من اعلام ام الحمام العزيزة والغالية علم في العمل لله والاخلاق والعطاء وووو

كلمات تخرج من قلب مفجوع لم يزل جرح اختنا الغالية والموالية ام احمد حتى جاء جرح آخر هو رحيل الاخ الغالي ابو احمد

واخيرآ لله صبرك يا ابو احمد ولكن انت ونحن مؤمنيين بقضاء الله وقدره ومنك نتعلم الصبر والاحتساب والباقيات الصالحات


رحم الله من يقرأ سورة الفاتحة ويهدي ثوابها للمؤمنيين والمؤمنات ولا سيما فقيدنا الغالي المهندس جاسم حسن قواحمد

اخوك الاصغر :ابو هادي
2
محمد قيصوم ( أبو جواد )
[ أم الحمام - القطيف ]: 31 / 1 / 2012م - 8:49 ص
أستاذي العزيز أبوأحمد عظم الله لك الأجر وأجزل لك المثوبة .. نحن تلاميذك وأخوتك وسنضل أوفياء لك ماحيينا لأنك علمتنا الكثير نعم إن فقد هذا الرجل المعطاء خسارة كبيرة ليس على أم الحمام فقط بل على سائر المنطقة . جعل الله هذه المصيبة آخر الأحزان وتقبل إحترامي
3
بدر الشبيب
[ أم الحمام ]: 31 / 1 / 2012م - 3:19 م
الأخوان العزيزان أبو هادي وأبو جواد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر لكما مشاعركما الصادقة، ومواساتكما الجميلة، وثناءكما العاطر..
دعواتي لكما بالتوفيق والسداد..
شاعر وأديب