أي نهج تريدون؟

 

في الدول الديمقراطية العريقة تعتبر حكومة الظل جزءا أساسيا ومكونا رئيسيا من مكونات العملية السياسية.

وهي حكومة غير رسمية موازية للحكومة الرسمية تشكلها الأحزاب المعارضة، بنفس تشكيلة الحكومة الرسمية من عدد الوزراء ومسميات الوزارات.

وتكون مهمتها مراقبة ونقد أداء الحكومة الرسمية وكشف جوانب القصور والخلل، حيث يكون كل وزير في حكومة الظل عينا على نظيره في الحكومة الرسمية.

ويبقى الوطن والمواطن الهدف الأكبر لمجمل المكونات في تلك العملية المعقدة.

يعتبر الدور الذي تقوم به حكومة الظل مع غيرها من مؤسسات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات وتنظيمات أخرى أحد العوامل الرئيسية للتقدم في الغرب، حيث تستطيع هذه المؤسسات تصحيح المسارات الخاطئة للحكومة، وبالتالي مساعدتها في إنجاز مهامها على أكمل وجه.

"المعارضة الوفية" كما يطلقون على حكومة الظل في بريطانيا ما كانت لتكون لو لم يتم إحداث تغيير جذري في الفكر السياسي الغربي يقوم على الشراكة الوطنية والمسؤولية التضامنية في إدارة البلاد، والتأسيس للتعددية والمشاركة السياسية الفعالة.

ولعل من أهم إنجازات الغرب تحويله السلطة إلى مؤسسة مستقلة عن أصحابها، فلا يعتبر انتقاد أداء وزير أو وزارة ما انتقادا شخصيا يتعامل معه بحساسية مفرطة كما هو حاصل عندنا، ولا يتم توجيه الاتهامات جزافا للمنتقدين أو التشكيك بولائهم، بل يتم تقييم الانتقاد أو الرأي المعارض لمعرفة مدى صوابيته، ومن ثم الأخذ به أو تركه.

هذا ما يحدث هناك لأنهم يؤمنون حقا بعدم عصمة الحكومة، وأن أداء أجهزتها قد يشوبه القصور والخطأ، وأن حاجتها للرأي المعارض ضرورة وجودية لا غنى عنها أبدا.

أما عندنا فإننا نؤمن على المستوى النظري فقط بعدم العصمة، أما على المستوى العملي فإن العصمة عاصمة للحكومة من النصيحة والرأي الآخر.

إن ما حدث ويحدث من هجوم في الصحافة المحلية وغيرها من الوسائل الإعلامية على شخصيات وطنية معروفة بنهج الوسطية والاعتدال، ولها حضورها المميز وإسهاماتها الإصلاحية الرائدة ليس على مستوى الوطن فقط، بل على مستوى العالم الإسلامي، والتي كان آخرها سماحة الشيخ حسن بن موسى الصفار، وذلك بسبب انتقادات تلك الشخصيات لبعض الأوضاع السلبية الراهنة ومطالبتها بخطوات وبرامج ومشاريع تصب في مصلحة الوطن والمواطن، وتعزز الوحدة الوطنية.

أقول إن هذا الهجوم غير المبرر لا يمكن إلا أن يكون تعبيرا عن ضيق بالرأي الآخر ومحاولة لجعل كل الأصوات صوتا واحدا، وهو أمر لا يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان والتوتر.

لا أدري كيف يمكن أن يدعو أحد باسم الحرص على مصلحة الوطن إلى تحييد أحد رموز الوطن الذي كتب في «التسامح وثقافة الاختلاف» و«التنوع والتعايش» و«السلم الاجتماعي مقوماته وحمايته» و«كيف نقرأ الآخر» و«الحوار والانفتاح على الآخر» و«التطلع للوحدة» و«السلفيون والشيعة نحو علاقة أفضل» و«المشكل الطائفي والمسؤولية الوطنية» وغيرها، والذي لم يكتفِ بذلك، بل قام بدور ريادي في تحقيق التقارب بين مكونات الوطن كافة من خلال سعيه الدؤوب للتواصل مع الجميع دون استثناء.

لقد حدد الشيخ منذ البداية منهجه بكل وضوح في أربعة اتجاهات- كما ذكر ذلك في مكاشفاته مع الأستاذ عبد العزيز قاسم- وهي:

الأول: الإصلاح داخل المجتمع، بنشر الوعي والثقافة السليمة، عبر الوسائل المتاحة، ودعم المؤسسات الخيرية الاجتماعية، وتشجيع كل ما من شأنه نفع المجتمع وخدمة تقدمه.
الثاني: الانفتاح على المحيط الوطني، بإقامة جسور العلاقة مع بقية المواطنين، لتجاوز حالة القطيعة المذهبية، والانغلاق الطائفي، وإنتاج الخطاب والثقافة المؤصلة والداعمة لهذا الاتجاه.
الثالث: التواصل مع المسؤولين وقيادات الدولة، لمعالجة القضايا العالقة، والمشاكل القائمة، بما يخدم التلاحم بين القيادة وشرائح المواطنين.
الرابع: الإسهام في الشأن الوطني العام على مختلف الأصعدة.

وكما نرى فإن هذا النهج ذو سمات وطنية إصلاحية انفتاحية تواصلية تسعى للوطن كله وليس لطائفة بعينها، فلماذا إذن يتعرض مثل هذا النهج وصاحبه للتشويه ودعوات الإقصاء والتهميش؟

شاعر وأديب