التغيير لا يحدث فجأة

 

هذه حقيقة بسيطة يغفل عنها الكثيرون، إذ يتوقعون أن تحدث التغييرات الاجتماعية بشكل دراماتيكي لا يستغرق وقتا طويلا؛ غير أن المطلعين على حركة التاريخ يدركون جيدا أن الأمر أعمق وأعقد.

نحن هنا لا نتحدث عن التغييرات السطحية التي قد تحدث في مجتمع معين نتيجة ظروف أو متغيرات طارئة، بل حديثنا عن التغييرات الجوهرية التي تكون خطا فاصلا بين ما قبلها وما بعدها.

فلأنها جوهرية؛ لذلك تحتاج إلى عمل جوهري يتجاوز الظواهر إلى ما وراءها.

العمل الجوهري هو عمل لا تشغله اللحظة الراهنة عن الرؤية المستقبلية، ولا يندك في اليوميات الصغيرة اندكاكا يسلبه القدرة على مشاهدة الصورة كاملة، ومن ثم التخطيط للمستقبل.

والعمل الجوهري يأخذ في اعتباره دائما "القيمة المضافة"، أي مقدار المساهمة الإيجابية التي سيضيفها لمجمل حركة التغيير، فهو يؤمن أن بناء التغيير عملية تراكمية يشارك فيها كل في مجاله بما يستطيع.

المهم أن يكون الجميع على علم تام بخارطة البناء حتى لا تتضارب الجهود فتضيع أدراج الرياح.

يشهد مجتمعنا اليوم حراكا على أكثر من مستوى، وهذا من العلامات الحيوية للصحة الاجتماعية. بيد أن البعض قد يظن بأن شكلا واحدا فقط من أشكال الحراك هو الذي يجب أن يسود الساحة دون غيره.

ولعل هذا ناتج عن هوسنا كمجتمع عربي بفكرة النمط الواحد، كما يذهب لذلك الياباني نوبوأكي نوتوهارا صاحب كتاب (العرب.. وجهة نظر يابانية) الذي يقول:

"المجتمع العربي مشغول بفكرة النمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد والقيمة الواحدة والدين الواحد وهكذا.... ولذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآراءهم. وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين. أعني يغيب مفهوم المواطن الفرد لتحل مكانه فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد."

إن المجتمعات الحية تدرك أن عملية التغيير الجوهري تحتاج إلى النضال على أكثر من جبهة أو صعيد، وأن بإمكان كل أحد في موقعه أن يساهم في تسريع هذه العملية.

الوالدان في البيت، والمعلم في المدرسة، والمثقف في مجتمعه، والموظف في وظيفته، والاقتصادي ورجل الأعمال في حقله، وأصحاب الكفاءات المهنية العالية في مواقعهم، وهكذا.

فعندما يحقق المجتمع إنجازا على الصعيد العلمي أو الأدبي أو الثقافي أو الرياضي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو الدبلوماسي أو غيرها، فإن ذلك يعد قيمة مضافة في التغيير الجوهري قد نرى آثارها سريعا أو قد تؤتي أكلها بعد حين بإذن ربها.

من هنا فإن علينا أن لا نبقى أسرى الفكرة الواحدة والشكل النضالي الواحد، فالمجتمع محتاج لكل الطاقات والقدرات والكفاءات وإلى مختلف البصمات أيضا.

ليس المطلوب أن ينصهر الجميع في بوتقة واحدة – كما يحلو لنا أن نقول -، بل المطلوب هو أن نتوفر على مستوى عالٍ من التنسيق يمكن كل منا من رؤية القيمة المضافة من قِبَل الآخر.

شاعر وأديب