تجربة في النضال القانوني


واحد من أعظم النجاحات في طريق كفاح السود في أمريكا لنيل حقوقهم المشروعة في المساواة والعدالة الاجتماعية كان وراءه المحامي الأسود الفذ ثيرغود مارشال، والذي يسمى بسيد الحقوق المدنية.

قال عنه زميله في المحكمة العليا القاضي لويس باول: " ليس هناك من أمريكي آخر فعل أكثر لكي يقود بلادنا إلى خارج متاهات التمييز من ثيرغود مارشال."

فمن هو هذا الرجل وما الذي فعله؟

ولد مارشال سنة 1908 م في بيئة كان يمارس فيها التمييز العنصري ضد السود.

اختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية الحقوق، ولما كان يعلم أن كلية الحقوق في جامعة ماريلاند القريبة منه سوف ترفضه لأسباب عنصرية، فقد سجل اسمه في كلية هوارد للحقوق متحملا مشقة السفر الطويل من بلتيمور إلى واشنطن العاصمة.

وعندما تخرج في العام 1933 م، كان الأول في صفه مما أكسبه احترام أستاذه الكبير المحامي الأسود تشارلز هاملتون هيوستون.

وانطلاقا من تخصصهما فقد عملا سويا على تفكيك البنية القانونية التي اعتمد عليها الجنوب الأمريكي في تطبيق نظام جيم كرو للتمييز العنصري، ونجحا في ذلك نجاحا باهرا من خلال ترافعهما في العديد من قضايا التمييز.

أما القضية الأبرز التي شكلت منعطفا في النضال الحقوقي للسود فقد عرفت بقضية براون.

وهي قضية طالبة صغيرة في المدارس الابتدائية اسمها ليندا براون، أجبرت على الالتحاق بمدرسة سوداء تبعد مسافة 21 شارعا عن منزلها رغم وجود مدرسة ابتدائية بيضاء تبعد فقط مسافة سبعة شوارع عن منزلها.

تبنى مارشال قضيتها أمام محاكم ولاية كانزاس التي رفضت ادعاء والد براون لأنها اعتبرت أن المدارس السوداء والبيضاء المنفصلة عنصريا كانت متساوية أو من نوعية مماثلة.

ومعنى ذلك أنه لا يوجد تمييز عنصري تمشيا مع قرار المحكمة الأمريكية العليا الصادر في العام 1896 م الذي نص على شرعية الفصل المفروض بين العرقين الأبيض والأسود ما دامت الخدمات المقدمة متماثلة، وهو التمييز المعروف بـ " منفصل لكن متساو".

وهنا نلاحظ كيف يجد القضاة العنصريون المخارج تلو المخارج لتبرير التمييز العنصري وتكييفه قانونيا حتى لا يخالف مبدأ الحماية المتساوية المنصوص عليها في الدستور، فقد جاء في قرار المحكمة: " الفصل المفروض بين العرقين لم يَسِم العرق الملون بشارة دونية"، أي أنه لا يمثل احتقارا للسود، فإذا لم يوافق السود على ذلك، فإن السبب يعود إلى تفسيرهم للقانون وليس إلى القانون نفسه.

وجد مارشال في رفض المحكمة دعوى براون فرصة للترافع أمام المحكمة العليا للطعن في دستورية مبدأ " منفصل لكن متساو".

فقام باعتماد استراتيجية قانونية تعتمد على الإثبات العلمي الاجتماعي، حيث جمع صندوق الدفاع القانوني لدي الجمعية الوطنية لتقدم الملونين NAACP فريقا من الخبراء المختصين بمواضيع التاريخ والاقتصاد والعلوم السياسية وعلم النفس لإثبات مدى تأثير الفصل العنصري على احترام الذات وعلى الصحة العقلية للأفريقيين الأمريكيين.

وتمكن بفضل جهوده وإصراره من إقناع المحكمة العليا بإصدار قرارها يوم 17 مايو 1954 م والذي نص على أنه في حقل التعليم العام ليس هناك مكان لمبدأ " منفصل لكن متساو "

هكذا نرى أن الأمر استغرق 58 عاما هي المسافة الزمنية الفاصلة بين القرار الأول عام 1896 م، وبين القرار الثاني الذي أبطل الأول عام 1954 م. وهو ما يعطينا مؤشرا قويا على أن التغييرات لا تحدث فجأة، وإنما تحتاج إلى وقت طويل وعمل جاد دؤوب، خصوصا مع تمكن الترسانة المقاومة للتغيير وتمددها في دوائر صنع القرار على كافة المستويات.

كما نرى أيضا أن المحكمة العليا حددت عدم إعمال مبدأ " منفصل لكن متساو " في حقل التعليم فقط، كما أنها لم تحدد إطارا زمنيا لإنهاء التمييز العنصري في المدارس.

وهذا ما استدعى استمرارا مكثفا في الجهود لتحقيق انتصارات قانونية أخرى تكمل الانتصار في قضية براون، وهو ما حدث فعلا.

كانت قضية براون هي مفتاح وخطوة هامة في طريق الكفاح القانوني الطويل لنيل السود حقوقهم، وكان ثيرغود مارشال هو الرجل الذي سخر تخصصه لخدمة قضايا مجتمعه، ومن هنا كانت شهرته وقيمته.

في سيرة مارشال العديد من المحطات التي نحتاج للتوقف عندها وتأملها وأخذ الدروس منها، خصوصا حاجة مجتمعنا الماسة لمحامين وناشطين حقوقيين يأخذون على عاتقهم مهمة النضال القانوني والحقوقي، وهو نضال سلمي مشروع يحتاج إلى حديث مستقل.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
حسين منصور حسن
[ salwa - qateef ]: 27 / 2 / 2012م - 1:13 م
جميل ....
شاعر وأديب