لا عزاء للناشطين الحقوقيين

 

كتب الروائي الكبير عبد الرحمن منيف رسالة إلى الأستاذ يوسف فتح الله رئيس رابطة حقوق الإنسان في الجزائر الذي اغتيل في مكتبه عام 1993 م، يقول فيها:
مهمة كبيرة وخطيرة, ليكن الله في عونك , ومع ذلك تستحق المجازفة، لأن أهم مشكلة تواجه المنطقة العربية في الوقت الحاضر هي حقوق الإنسان .

ما دامت هذه الحقوق غائبة , غير معترف بها , سيبقى الإنسان العربي مكبلاً , عاجزاً .

وسيبقى الوطن بالتالي مجرد مساحات جغرافية خاوية , والبشر فيه مجرد أرقام تماثل الأشباح .

أصبح النشاط القانوني والحقوقي ضرورة اجتماعية لا غنى لمجتمع ينشد الإصلاح ويسعى نحو التغيير من ممارستها وإعطائها الأولوية التي تستحق.

وهو كما قال الأستاذ منيف في رسالته مهمة كبيرة وخطيرة ولكنها تستحق المجازفة.

هو مهمة كبيرة بحجم المسؤوليات التي تنتظر أي ناشط قانوني أو حقوقي؛ من نشر للثقافة القانونية والحقوقية إلى التصدي للقضايا اليومية المختلفة المتعلقة بحقوق الإنسان، إلى محاولة تعديل أو استصدار قرارات أو قوانين جديدة تصب في صالح المشروع الحقوقي، إلى غير ذلك مما يصعب حصره في هذه العجالة.

وهو مهمة خطيرة لأنه لا يزال في طور النشأة والتكوين في مجتمعاتنا، أي إنه نشاط لم تألفه المجتمعات ولم تتعود عليه الحكومات بعد، مما يضع الكثير من العوائق والعراقيل أمام تقدمه. فالمجتمع في كثير من الأحيان يخشى التعاطي الإيجابي مع الناشطين الحقوقيين لأنه يجهل حقيقة وأهمية دورهم، كما إن الحكومات بطبيعتها البيروقراطية المقاومة للتغيير لا ترحب كثيرا بمثل هذا النشاط.

لقد شهدنا في الآونة الأخيرة حراكا حقوقيا جيدا، كان أغلبه يتركز على شكل حملات تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية لإبراز قضية معينة مثل: (سجينا حتى متى) للمطالبة بإطلاق سراح المسجونين دون محاكمة، وحملة ( إلى متى ) الخاصة بمطالبات الأطباء، وحملة ( حقي كرامتي ) للدفاع عن حقوق المرأة، وهكذا..

وهذا أمر جيد ومطلوب بالتأكيد. غير أن المطلوب أكثر من ذلك بكثير، حيث ينبغي العمل على تحويل مثل هذه الحملات إلى مؤسسات تتخصص كل واحدة منها بملف من الملفات تتولى مختلف جوانبه الاجتماعية والثقافية والقانونية والاقتصادية وغيرها. كما ينبغي أيضا القيام بنشاط قانوني يسعى إلى استصدار قوانين أو أحكام قضائية تساهم في التأسيس لممارسات حقوقية أكثر حرية واتساعا.

إن الكثير من الملفات الشائكة تنتظر المهتمين بالنشاط الحقوقي والقانوني، والنجاح في أي منها سيساعد على المضي قدما في طريق الإصلاح المنشود. فلو أخذنا على سبيل المثال قضية اجتماعية نتفرد بها، وهي قضية تكافؤ النسب، التي أثارت الكثير من الجدل حولها. هذه القضية لو تبنتها مؤسسة ما، وسعت إلى دراستها علميا من كافة زواياها الدينية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية والإنسانية والقانونية وغيرها، ثم حاولت بكل السبل المشروعة التأثير على أصحاب القرار لإصدار قوانين حاسمة في هذا الشأن لكان يمكن أن يتحقق نجاح أكبر مما لو كان التبني لهذه القضية مجرد حملة إعلامية.

وعلى هذا المنوال أيضا يمكن أن نأخذ قضية أخرى كعدم تعيين مديرات في المدارس الحكومية من الطائفة الشيعية، حيث لا يوجد أي مستند قانوني يبرر هذه الممارسة.

أخيرا ما ينبغي أن يدركه الناشطون القانونيون والحقوقيون أن المشوار طويل جدا، وأن المراهنة ينبغي أن تكون على تحقيق إنجازات تراكمية هنا وهناك، فثمن التغيير باهظ جدا، والمقاومون للتغيير كائنات تجيد المراوغة واختراع الحيل الشرعية وغير الشرعية للهروب منه.

شاعر وأديب