مقاومة المقاومة


 

 

أقصد بالعنوان كيف يمكننا مقاومة المقاومين للتغيير، بعد أن عرضنا في مقال سابق لبعض الأسباب المتصورة التي تقف وراء مقاومتهم للتغيير.

سأنطلق من السبب الأول وهو كما ذكرنا تحول الواقع إلى خانة المقدس الذي يجعل المساس به محظورا من المحظورات.

والواقع له مفرداته الكثيرة الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تتحول أو بعضها إلى مقدسات ذات قيمة نهائية مغلقة لا يجوز الاقتراب منها.

وهنا تقع المسؤولية الكبرى على دعاة التغيير لفرز المقدس من غيره عبر ممارسة النقد الفكري والثقافي والاجتماعي، وهذا أمر صعب مستصعب.

إذ يحتاج أولا لقراءة معمقة للآخر تحيط بموروثه الثقافي وتركيبته النفسية والاجتماعية، كي تستطيع إنتاج خطاب نقدي رصين وقادر على التماس مع عقل الآخر ونفسه وأفكاره وهواجسه.

لا يكفي أبدا أن تكون لديك رسالة سامية كي يقتنع بها الآخرون، وإلا لتمكن المصطفَون الأخيار – وهم في أعلى مراتب السمو – أن يحدثوا التغيير الذي كانوا ينشدونه في مجتمعاتهم.

فهذا نوح وهو من أولي العزم من الرسل يشكو قومه المعاندين:﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا (6)سورة نوح.

وهذا الخليل ابراهيم  يدخل في حوار معمق مع قومه، فيقنعهم بالأدلة العقلية والوجدانية ببطلان عبادتهم ومعتقدهم، ولكنهم سرعان ما ينقلبون على عقولهم فيرفضون ما تدعو إليه.

﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65) سورة الأنبياء.

إنه التأثير الكبير لاستقرار الواقع في الأذهان وتلبسه بلبوس المقدس الذي يصبح جزءا من الفرد ومن النسيج الاجتماعي فيصعب تفكيكه عنها، بل يصبح الاقتراب منه اقترابا من حريمها.

هذا ما ينبغي أن يكون حاضرا في وعي الساعين للتغيير، حتى يدركوا أن المسالة ليست سهلة أبدا، وأن جهودا مضنية يجب أن تبذل ليلا ونهارا كي يمكن إحداث خلخلة أو زحزحة ما في المستقرات الذهنية والنفسية التي تحول دون التغيير.

المهم أن يبدأ دعاة التغيير طريقهم بداية علمية سليمة مرتكزة على أمرين هما: الرسالة الصحيحة والوسيلة الصحيحة لإيصال الرسالة.

وذلك ما اختصره القرآن الكريم في (البلاغ المبين)؛ مفردة البلاغ تستبطن البلاغة والتبليغ، ومفردة المبين تستبطن الكشف والوضوح والإيضاح.

وهو ما نحتاجه في مختلف وسائلنا الإعلامية المعاصرة بحيث تكون قادرة على إيصال أو تبليغ رسالتنا لأوسع نطاق ممكن بأساليب تكتسي ثوب البلاغة المعاصرة في الكلمة والصورة وغيرها حتى تحدث التأثير المطلوب، وتكون واضحة كاشفة غير ملتبسة.

هذه هي البداية، والطريق طويل، والكلام حوله يحتاج إلى بسط أكثر سنؤجله لحديث آخر.

شاعر وأديب