بداية الحقوق رسالة الحقوق


 

 

ترك الإمام علي بن الحسين  تراثا عظيما شمل تفسير القرآن ومباحث العقيدة وأحكام الشريعة وغرر الحكم والمواعظ. وكان مما ترك أيضا أمران في غاية الأهمية لكل من أراد سلوك الطريق إلى الله تعالى: الأول هو الصحيفة السجادية، والثاني رسالة الحقوق.

الصحيفة السجادية جاءت استجابة لحاجة ملحة في المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت تمثلت في " خطر الانسياق مع ملذات الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة وانطفاء الشعور الملتهب بالقيم الخلقية والصلة الروحية بالله واليوم الآخر وبما تضعه هذه الصلة أمام الإنسان من أهداف كبيرة" كما يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر.

الصحيفة السجادية بمنظومة الأدعية المتكاملة فيها تمثل حالة الانقطاع التام إلى الله من خلال الدعاء الذي يؤكد أهميته القرآن في قوله تعالى: ﴿قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُم. فقد أراد الإمام أن يعيد الأمة إلى رشدها وتوازنها بالدعاء الذي يجعل الإنسان يشعر بفقره المطلق إلى الله تعالى، ويمده بطاقة روحية في مواجهة العواصف والزوابع المادية.

أما رسالة الحقوق فهي وثيقة مهمة ينبغي أن تحظى بالمزيد من العناية والنشر والدراسة حتى يتعرف عليها العالم كله، ولتكون على رأس الوثائق الحقوقية. يتحدث الحقوقي المعروف الدكتور هيثم مناع عن أهميتها قائلا: "وهي على حد علمنا أول رسالة تحمل الاسم بمفهوم العصر وأول محاولة لا تتمسك بمفهوم الحقوق ببعده السلبي."

هذه الرسالة الشريفة تركز على الحقوق من زاوية ما على كل واحد من الحقوق تجاه الآخر، وكأنها تريد أن تقول: إذا عرف كل فرد مسؤولياته تجاه الآخرين وقام بها خير قيام، سنتحول حينئذ إلى مجتمع حقوقي من الطراز الأول، كما سيعرف كل فرد حقوقه التي له من خلال هذا النموذج الفريد.

هناك إضافة أخرى مهمة تتضمنها هذه الرسالة من بين إضافات كثيرة، وهي توسيع مفهوم الآخر ليشمل حقوق النفس وحقوق الأعضاء والجوارح كحق اللسان وحق السمع وحق البصر وحق اليدين والرجلين والبطن والفرج، وليشمل أيضا حقوق الأفعال كالصلاة والصوم والحج وغيرها؛ وهذا مفهوم جديد للآخر حيث لم يعد مقتصرا على الآخر الفرد، بل أضاف الآخر الجزء.

ومما لا شك فيه أن الإنسان حين يستوعب هذا المفهوم ويتمسك به في حياته، سيصبح أكثر حيطة وحذرا ومراعاة لحقوق الآخرين. فإذا أراد مثلا التعدي على حق فرد آخر، فإنه سيتذكر أن الوسيلة أو الجارحة التي ستحقق الفعل الخارجي لها حق أيضا، مما يشكل حاجزا ورادعا يصده عن ارتكاب مثل ذلك.

شيء آخر تؤسس له الرسالة وهو أصل الحقوق الذي خاض فيه الكثير من فقهاء القانون والدستوريين، إذ يُرجع الإمام الحقوق كلها إلى أصل واحد هو الله تعالى حين يقول: " فأكبر حقوق الله تعالى عليك ما أوجب عليك لنفسه من حقه الذي هو أصل الحقوق". إذن هذا هو الأصل ومنه تتفرع بقية الحقوق.

يقسم الدكتور عباس زبون العبودي، أستاذ القانون الخاص بجامعة كربلاء، الحقوق المذكورة في الرسالة والتي تشمل خمسين حقا إلى سبعة مطالب هي:

  1. حق الله
  2. حقوق أعضاء الإنسان
  3. حقوق العبادات
  4. الحقوق اللازمة على الإنسان إلى غيره
  5. حقوق الرعية
  6. حقوق الرحم
  7. حقوق الأفراد

نحن إذن أمام مدرسة متكاملة في الحقوق تحتاج إلى قراءة متمعنة وفهم عميق، خصوصا مع التأكيد الوارد في بدايتها على ضرورة المعرفة الحقوقية:" اعْلَــــمْ رَحِـــــمَكَ اللهُ أَنَّ للهِ عَلَيْكَ حُــــقُوقًا مُحِيطَةً بكَ فِي كـُلِّ حَرَكَةٍ تَحَرَّكْتَهَا، أَوْ سَكَـــــنَةٍ سَكَنْتَهَا، أَوْ مَنْزِلَةٍ نَزَلْتَهَا، أَوْ جَارِحَةٍ قَلَّبْتَهَا، وَآلَةٍ تَصَرَّفْتَ بهَا، بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ."

شاعر وأديب