حياة في الحب

 

 

 


يونس بن عبد الرحمن واحد ممن استطاع أن يكسب محبة ورضا الإمام علي بن موسى الرضا . وكما قلنا غير مرة، فإن الأئمة يعرفون أقدار الرجال حق المعرفة، وبالتالي فهم لا يَهَبون رضاهم ومحبتهم لأحد إلا عن جدارة واستحقاق.

استطاع يونس من خلال علمه وإيمانه وأخلاقه أن يحوز على جائزة كبرى من الإمام الرضا حين سأله أحد الشخصيات المعروفة، وهو عبد العزيز بن المهتدي: إني لا ألقاك في كل وقت، فممن آخذ معالم ديني؟ فأجابه الإمام: خذ عن يونس بن عبد الرحمن.

ما أكبرها من شهادة تنبئ عن المستوى العالي من الفقاهة الذي بلغه يونس، وليس هذا فحسب، بل أيضا عن مستوى الثقة التي حازها من الإمام ليكون مرجعا تؤخذ منه معالم الدين.

شهادة حب أخرى حصل عليها يونس من الإمام الجواد جوابا على سؤال من عبد العزيز بن المهتدي نفسه في رسالة خطية يسأله عن رأيه في يونس، فجاءه الجواب: أحبه وأترحم عليه، وإن كان يخالف أهل بلدك.

ولتوضيح هذا الأمر، فقد طعن البعض على يونس بن عبد الرحمن لأنهم لم يستطيعوا استيعاب معارفه الجمة التي تحمل الكثير من أسرار أهل البيت . ولذا فقد أعطاه الإمام الرضا توجيها خاصا في كيفية التعامل مع طعون الآخرين ومواقفهم السلبية، فقال له:
"يا يونس !.. وما عليك أن لو كان في يدك اليمنى درةٌ ثم قال الناس : بعرة ، أو بعرةٌ وقال الناس : درة ، هل ينفعك شيئا ؟.. فقلت : لا ، فقال : هكذا أنت يا يونس إذا كنت على الصواب ، وكان إمامك عنك راضيا ، لم يضرّك ما قال الناس ".

يونس بن عبد الرحمن كان عالما مؤلفا كثير التصانيف، ألف أكثر من ثلاثين مصنفا، ولقيت مؤلفاته من أئمتنا لمسات الحب والتقدير. وفي هذا تعليم لنا في كيفية تشجيع الآخرين على الكتابة والتأليف خصوصا في المجالات التي تعود على الأمة بالخير.

يقول أبو هاشم الجعفري: عرضتُ على أبي محمد صاحب العسكر ( أي الإمام العسكري) كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي: تصنيف من هذا؟ فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: أعطاه اللّه بكل حرف نورا يوم القيامة.

هكذا يشجع أئمتنا عليهم السلام أصحاب القلم الشريف، يحبونهم ويقرؤون كتاباتهم، ويدعون لهم.

ففي رواية أخرى تكمل المشهد ينقلها أبو هاشم الجعفري أيضا، يقول: أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري فنظر فيه وتصفحه كله ثم قال: هذا ديني ودين آبائي وهو الحق كله.

أخيرا هناك بعد جميل في شخصية هذا الرجل يكشف عن حبه لإخوانه واتخاذ الحب طريقا للتوفيق في كتابة المؤلفات، حيث ينقل العبيدي واصفا أحوال يونس وسيرته اليومية قائلا: كان ليونس بن عبد الرحمن أربعون أخا يدور عليهم في كل يوم مسلما، ثم يرجع إلى منزله فيأكل ويتهيأ للصلاة ثم يجلس للتصنيف وتأليف الكتب.

هذه طقوسه للكتابة تبدأ بزيارة أربعين من إخوانه المؤمنين والسلام عليهم، ثم الرجوع إلى المنزل وإكمال البرنامج الذي ينتهي بالتأليف.

باختصار: حياة يونس هي حياة في الحب.

أحبكم جميعا.. جمعة مباركة.

شاعر وأديب