شهادات الحب العليا

 

 

 

 

أن تحصل على شهادة عليا، فهذا أمر يستحق التقدير والثناء، وهو ما ينبغي أن نشجع أبناءنا عليه حتى يصبح مجتمعنا مجتمعا علميا زاخرا بالطاقات والكفاءات.

ومما يعطي الشهادة العليا قيمة إضافية أمران: الجهة التي أصدرتها، ومجال التخصص الذي تحمله الشهادة. فأن تكون الشهادة صادرة من جامعة كمبردج أو هارفرد أو غيرها من الجامعات الكبرى في العالم، أو أن يكون مجال التخصص مهما ونادرا كالفيزياء النووية أو التخصصات الطبية الدقيقة مثلا، كل ذلك يجعل الشهادة أكثر قيمة نظرا لما يتطلبه الحصول عليها من بذل جهد كبير وهمة عالية وذكاء مشفوع بحب العلم.

لذا فإن من المهم أن نحرص على أن يختار أبناؤنا – ما أمكن – الجامعات والتخصصات ذات المستوى المتميز، وأن لا يرضوا لأنفسهم مجرد الحصول على شهادة من أي جامعة وفي أي مجال.

لقد حثنا أئمتنا عليهم السلام على طلب التميز والتفوق تمشيا مع كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )، حيث يقول الإمام الصادق عليه السلام:

"ليس منا - ولا كرامة - من كان في مصر في مائة ألف أو يزيدون ، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه".

زكريا بن آدم الأشعري القمي واحد من أولئك الرجال الأفذاذ الذين اختاروا لأنفسهم أفضل الجامعات، جامعة أهل البيت عليهم السلام، ونال منها أعلى الشهادات بعلمه وعمله إخلاصه وورعه وتقواه.

روى أحمد بن الوليد عن عليّ بن المسيّب قال: قلت للرضا عليه السلام: شُقّتي بعيدة، ولستُ أصل إليك في كلّ وقت، فمِمّن آخذ معالمَ دِيني ؟ فقال: " مِن زكريّا بن آدمَ القميّ، المأمونِ على الدِّين والدنيا ".

هل هناك أعلى من هذه الشهادة من هذا الشاهد في زمانه؛ أي أن يكون الإنسان ثقة مأمونا على الدين والدنيا بشهادة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام؟

زكريا بن آدم من (الأشعريين) القبيلة اليمنية المعروفة التي حازت هي الأخرى على ثناء الإمام الصادق عليه السلام حين دخل عليه عِمرانُ بن عبدالله القمّي الأشعري، فقرّبه الإمام وقال له يسأله: كيف أنت، وكيف وُلْدُك، وكيف أهلك، وكيف بنو عمّك، وكيف أهلُ بيتك ؟ ثمّ حدّثه مليّاً، فلمّا خرج عمران قيل للإمام الصادق عليه السلام: مَن هذا ؟! فقال: " هذا نجيبُ قومٍ نجباء، ما نَصَب لهم جَبّارٌ إلا قَصَمه الله ".

هاجر بعض أبناء هذه القبيلة  من الكوفة إلى قم هربا من بطش الحجاج الذي نكل بهم وقتل عميدهم محمد بن سائب الأشعري. فكان الخير كل الخير في هذه الهجرة القسرية، حيث تأسست في قم مدرسة جديدة لأهل البيت عليهم السلام.

بلغ زكريا بن آدم مرتبة سامية، وكان وجيها عند الإمام الرضا عليه السلام كما يقول علماء الرجال. ومما يكشف عن مستواه الرفيع تلك الرسالة التأبينية المؤثرة التي كتبها في حقه الإمام الجواد عليه السلام، والتي كان من ضمن نصها: " رحمه الله يومَ وُلد ويوم يموت ويوم يُبعَث حيّاً، فقد عاش أيّامَ حياته عارفاً بالحقّ قائلاً به، صابراً مُحتسباً للحقّ، قائماً بما يجب لله ولرسوله عليه، ومضى رحمةُ الله عليه غيرَ ناكثٍ ولا مبدِّل، فجزاه الله أجرَ نيّته، وأعطاه جزاءَ سعيه".

ما أجملها من كلمات حب تخرج صادقة من فم الإمام الطيب الطاهر في حق شخصية سعت لنيل الدرجات العلى وأخلصت نيتها لله عز وجل، فكان لها ما أرادت.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.

شاعر وأديب