حق اليد

 

 

(وحق يدك أن لا تبسطها عما لا يحل لك، فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس اللائمة في العاجل، ولا تقبضها عما افترض الله عليها، ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل، ووجب لها حسن الثواب من الله في الآجل).

الجريمة الأولى على مستوى الإنسانية كانت آلتها اليد، كما ذكر ذلك القرآن الكريم في قصة هابيل وقابيل:﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) المائدة

بسط قابيل يده لقتل أخيه، وقبض هابيل يده عن ذلك، فكانت نتيجة بسطها للشر الندم والحسرة والخسران، وكانت نتيجة قبضها عن الشر الذكر الجميل في الدنيا والفوز برضوان الله في الآخرة.

وقد يكون فعل اليد واحدا في الظاهر، ولكنه مختلف في الواقع تماما. يد تضغط على لوحة المفاتيح (الكيبورد) لتبحث عن علم نافع أو لتكتب أسطرا من نور، تدعو للخير وتشجع الأخيار، ويد تفعل الشيء ذاته لتفتش عن مواقع اللهو والمجون أو لتلوث الشاشة بكلمات بذيئة قبيحة تحرض على الشر والفتنة والكراهية.

باليد ينفق المؤمن مما يحب لينال البر، ويجري على يديه الخير للناس. وباليد يبطش الظالم بالمظلوم تعذيبا وتنكيلا وقتلا.

باليد يأكل الإنسان الحلال الطيب، وباليد يتناول الطعام الحرام والمال الحرام والدم الحرام.

واليد إما أمينة تستحق التقبيل، أو خائنة تستحق القطع.

اليد يكتب بها العلماء الربانيون فيكون مدادها أفضل من دماء الشهداء، ويكتب بها علماء السوء لتزوير الحقائق والتدليس والفتاوى المضللة فيكون مدادها وبالا على الأمة والإنسانية.
﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة.

في هذا المقطع من رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام يعلمنا ما يجب علينا من حق تجاه أيدينا، حتى نستعملها فيما خُلِقت له، فتتحدث يوم القيامة عن أفعالنا شاهدة لنا لا علينا.

﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) يس

إننا إذا استطعنا إقامة علاقة حسنة وطيدة مع أيدينا، سنؤتى يوم القيامة كتابنا بيميننا والخلد في الجنان بشمالنا، وأما إذا أسأنا العلاقة – لا سمح الله - فالمصير المشؤوم في الانتظار.

حق اليد في هذه الرسالة الشريفة يتمثل في التالي:

  1. قبضها عن تناول الحرام، حتى لا نقع في العقاب الأليم يوم القيامة وفي الملامة في الدنيا. 
  2. بسطها لأداء ما افترضه الله تعالى من حقوق مالية وغيرها.
  3. توقيرها كي تصبح يدا شريفة تنال التقدير في العاجل والنعيم في الآجل.

لقد مدح الله تعالى في كتابه أصحاب الأيدي الطاهرة النظيفة المعطاء ، فقال:﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ (45) ص.

يقول صاحب تفسير الميزان: "مدحهم بتوصيفهم بأن لهم الأيدي والأبصار، ويد الإنسان وبصره إنما يمدحان إذا كانا يد إنسان وبصر إنسان، واستعملا فيما خلقا له وخدما الإنسان في إنسانيته فتكتسب اليد صالح العمل ويجري منها الخير على الخلق ويميز البصر طرق العافية والسلامة من موارد الهلكة ويصيب الحق ولا يلتبس عليه الباطل."

    • فلنفكر إذن في كل أفعال هذه الجارحة، ولنحاسب أنفسنا عن أدائها حقها، أيا كان موقعنا. ولنسأل قبل أن نفعل: هل يجوز فعل هذا أم لا؟ وفي حالة الجواز ما هي الحدود؟
    • هل يجوز مثلا أن أضرب ولدي أو زوجتي أو تلميذي، وما هي حدود الجواز؟
    • هل يجوز أن أسطو على حقوق الآخرين المالية أو الفكرية أو غيرها؟

المحاسبة اليوم مهمة جدا، قبل أن يأتي (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)، فيندم هنالك من لم يحاسب نفسه، فيفرغ شحنات ندمه في يديه الفارغتين من الخير:﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) الفرقان.

شاعر وأديب