حق الفرج


 

 


وَأَمَّا حَـقُّ فَرْجِكَ فَحِفْظُهُ مِمَّا لا يَحِلُّ لَكَ وَالاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِ بغَضِّ الْبَصَرِ - فَإنَّهُ مِنْ أَعْوَنِ الأَعْوَانِ- وَكَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوتِ وَالتَّهَدُّدِ لِنَفْسِكَ باللهِ وَالتَّخوِيفِ لَهَا بهِ، وَباللهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّأْيِيدُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بهِ.

أمام طوفان المغريات وبراكينها التي تقذف بحممها الملتهبة في كل اتجاه في الشوارع والأسواق والبيوت، وعبر الشاشات الثلاث (التلفزيون، والكمبيوتر، والجوال) التي يتزايد أعداد المدمنين عليها لحظة بعد لحظة؛ يكتسب الحديث عن حق الفرج أهمية قصوى، خصوصا مع تأخر سن الزواج والتعقيدات المصاحبة له من متطلبات باهظة التكاليف جعلت مشروع الزواج أمرا مقلقا ومرهقا لفئة الشباب، مما زاد من معدلات العنوسة، وأدى إلى الكثير من الانحرافات بين الجنسين.

الإمام علي بن الحسين عليه السلام يحدد حق الفرج في حفظه وصيانته عن الحرام، وهو ما أكد عليه القرآن الكريم، حيث ذكره ضمن صفات المؤمنين بقوله تعالى:

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) ﴿المؤمنون‏

فالعفاف مطلوب من الجميع، وهو أفضل العبادة كما قال الإمام علي عليه السلام، بل إن العفيف من الرجال والنساء يبلغ بعفته مرتبة سامية عند الله يقترب بها من ساحة الملائكة، نظرا لما يتطلبه العفاف من مجاهدة عظيمة للنفس وشهواتها، وقدرة فائقة على الصمود. إن الشاب العفيف والفتاة العفيفة مثال الإنسان المؤمن القابض على دينه كالقابض على الجمر، ولذلك استحقا الأجر العظيم.

يقول علي عليه السلام: "ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجرا ممن قدر فعف، لكاد العفيف أن يكون ملكا من الملائكة".

وللقيام بحق الفرج يحتاج الإنسان إلى ما يعينه على التخلص من إلحاح الشهوة وضغوطاتها، وأكبر الأعوان على ذلك – كما ذكر الإمام عليه السلام – هو غض البصر، وهو الجانب العملي الذي يقوي عزيمة الإنسان وإرادته بتربيته على الامتناع الاختياري عما حرم الله كي يحوز في الأخير ملكة الورع والتقوى. إن غض البصر باعتباره فعلا سلبيا يشكل حجر الأساس فيما يستعان به لأداء حق الفرج، إذ يبعد المرء عن المثيرات التي تتسبب في هيجان الشهوة وضغوطها.

وقد بين القرآن الكريم العلاقة المتينة بين حفظ حق البصر وحفظ حق الفرج بقوله تعالى:

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) ﴿النور، 30

هناك معينات أخرى يذكرها الإمام عليه السلام، وهي عبارة عن تلقين النفس أو القيام بما يسمى حاليا بالبرمجة اللغوية العصبية التي تفيد في السيطرة على المشاعر والتحكم في طريقة التفكير وتساعد على إحداث التغيير المطلوب. تكون البرمجة اللغوية العصبية عن طريق كثرة تذكر الموت، وتهديد النفس وتخويفها من سوء الحساب الذي ينتظرها إن خالفت أوامر مولاها وارتكبت الحرام والعياذ بالله.

فعن النبي صلى الله عليه وآله: أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان: البطن والفرج.

يقول السيد حسن القبانجي في شرح لهذا المقطع من رسالة الحقوق: ويبدو لنا من كلام الإمام السجاد (صلوات الله عليه) أن هناك ترابطا وثيقا بين حق الفرج، وحق البصر، وحق البطن. فالبصر يساعدنا بعض الشيء في التخفيف من متطلبات الفرج غير المشروعة. ويساعدنا على إعطاء حق الفرج كاملا إذا غضضناه عما حرم الله. وكذلك البطن حيث يكون الشبعان أكثر ميلا إلى الانحراف في حق الفرج من الجائع أو المعتدل.

أخيرا على الإنسان دائما أن يستعين بالله تعالى ويطلب منه التأييد والتسديد على أداء حقوق الجوارح جميعا، ومنها حق الفرج.

شاعر وأديب