حق المعلم

 

 

 

 

"وأَمَّا حَقُّ سَائِسِكَ بالعِلْــــــــمِ فالتَّعْظِيمُ لَهُ والتَّوْقِيرُ لِمَجْلِسِهِ وَحُسْــــنُ الاسْـــــــــــــتِمَاعِ إليهِ وَالإقْبَــــــالُ عَلَيْهِ وَالْمَعُونةُ لَهُ عَلَى نفْسِكَ فِيمَــــا لا غِنَى بكَ عَنْهُ مِنْ الْعِلْمِ بأَنْ تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ وَتُحْضِرَهُ فَهْمَــــــــــــــكَ وتُزَكِّي لَهُ قَلْبَكَ وتُجَلِّي لَهُ بَصَرَكَ بتَرْكِ اللّذَّاتِ وَنقْص الشّهَوَاتِ، وَأَنْ تَعْلَــــــــــمَ أَنَّكَ فِيمَا أَلقَى إلَيْكَ رَسُولُهُ إلَى مَنْ لَقِيَكَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ، فَلَزِمَكَ حُسْنُ التَّأْدِيَةِ عَنْهُ إلَيْهِمْ، ولا تَخُنْهُ فِي تَأْدِيَةِ رِسَـــــــــــــــالَتِهِ وَالْقِيَامِ بهَا عَنْهُ إذا تَقَلَّدْتَهَا. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ."

في رواية كتاب مكارم الأخلاق:"وأن لا تَرْفَعَ صوتَكَ عليهِ ولا تُجيبَ أحداً يَسْألُه عن شَيءٍ حتى يكونَ هو الذي يُجيبُ ولا تُحدّثَ في مَجْلِسِه (أحداً) ولا تَغْتَابَ عِنْدَه أحداً وأن تَدْفَعَ عنه إذا ذُكِرَ عِندَكَ بسُوءٍ وأن تَسْتُرَ عُيوبَه وتُظْهِرَ مَناقِبَهُ ولا تُجالِسَ لَهُ عَدوَاً ولا تُعادي له وَليّاً، فإذا فَعَلْتَ ذلكَ شَهِدَتْ لَكَ مَلائِكَةُ اللّه بأنَّكَ قَصَدْتَه و تَعَلَّمْتَ عِلْمَه للّه جَلَّ اسْمُه لا لِلنَّاسِ."

لا أدري أين نقف اليوم من هذه الحقوق؟ هل يعلم الطالب بعض حقوق معلمه، وهل يعلم المعلم بعض حقوق طالبه؟ أم أننا وللأسف بعيدون عن هذه التعاليم العظيمة لأهل البيت عليهم السلام، راضين بما عندنا، قانعين به، زاهدين فيما لا يجوز الزهد فيه؟!

وكيف لي في سطور قليلة أن أفي هذه المقطوعة حقها، وهي تحتاج إلى وقفات طويلة؟ لذا فإني أطلب أن يكون في كل مدرسة أو حوزة علمية كتيبا صغيرا يحتوي على حقوق المعلم وحقوق المتعلم مستقاة من هذه الرسالة الشريفة، أو مستفادة من كتاب (منية المريد في آداب المفيد والمستفيد) للشهيد الثاني زين الدين بن أحمد العاملي (رحمه الله) الذي فصلها خير تفصيل. فذكر 90 نوعا من الآداب التي يلزم على المتعلم التحلي بها، يختص معلمه منها بأربعين. كما ذكر أيضا آدابا أخرى ينبغي على المعلم السعي لاكتسابها.

الحديث في هذا المقطع من رسالة الحقوق عن حق المعلم، وسيأتي بإذن الله الحديث عن حق المتعلم. ويمكننا هنا اقتباس بعض الأنوار التي نسأل الله أن يعيننا على تحويلها إلى سلوك عملي في حياتنا.

  1. المهمة الأولى للمعلم أن يكون سائسا، أي مروضا ومربيا لتلاميذه، وهو جانب يتم إغفاله كثيرا في العملية التعليمية، حيث يكون التركيز على الجانب المعرفي مع إهمال الجانب الأخلاقي.
  2. أول حقوق المعلم ينبع من داخل الطالب، ويتمثل في تعظيمه وتوقيره لمعلمه؛ وهذا هو الأساس لبقية الحقوق، لأنه يوفر الأرضية الصالحة والاستعداد النفسي لدخول محراب العلم. لا يمكن لأحد أن يستقبل فيوضات العلم وهو في حالة من الترفع والتكبر وعدم احترام المعلم.
    يُنقل في سيرة الإمام السيّد موسى الصدر، أنه وفي أيّام زعامته ، دخل قم المقدّسة ، وفي طريقه رأى شيخاً كبير السنّ فانحنى ليقبّل ركبتيه ، فتعجّب من كان معه وسألوه عن سبب ذلك ؟ فقال : لقد قرأت ألفيّة ابن مالك عند هذا الشيخ ، فهو اُستاذي ، ولا بدّ لي من تقديره واحترامه.
    ومن المعلوم أن ألفية ابن مالك هي من دروس النحو التي يتلقاها الطالب في المرحلة الأولية من دراسته المعروفة بالمقدمات.
  3. ثاني الحقوق هو انعكاس للأول في الخارج، ويتمثل في حسن الاستماع والإنصات والتوجه التام للمعلم، حيث يكون الطالب بكله آذانا صاغية.
  4. ثالثها تهيئة الطالب نفسه من الناحية العقلية والذهنية والروحية، بحيث يكون حاضر الذهن، بعيدا عن كل ما يشغله أو يصرفه عن الدرس، منقيا ثوب عقله وروحه من الملوثات التي قد لا نشعر بأثرها الذي هو أخطر علينا من ثقب الأوزون.
  5. رابعها أن يكون الطالب ممثلا حقيقيا صادقا عن معلمه، أو بتعبير الرسالة الشريفة (رسوله) إلى الآخرين، مما يضع عليه مسؤولية تبليغ رسالته بأمانة تتناسب مع مقام معلمه.
  6. خامسها الالتزام بمجموعة من الآداب في محضره، وأخرى في غيابه. وهي المذكورة في رواية كتاب (مكارم الأخلاق)، ومجموعها تسعة بداية من قوله "وأن لا ترفع صوتك عليه" إلى قوله "ولا تعادي له وليا".

إن طالب العلم الذي يؤدي لمعلمه حقوقه هو الذي يكون أهلا لأن يضع قدميه على أجنحة الملائكة، وأن يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحار، وأن يشيعه سبعون ألف ملك، وأن تطلبه الجنة كما ورد في الروايات الشريفة، والتي نختار منها:عن رسول الله : إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم حتى يطأ عليها، رضى به.

وعنه أيضا: إن طالب العلم لتحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضها بعضا حتى يبلغوا سماء الدنيا من محبتهم لما يطلب.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: إن جميع دواب الأرض لتصلي على طالب العلم حتى الحيتان في البحر.

شاعر وأديب