حق الزوجة

 

 

 

 

وَأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بمِلْكِ النّكَاحِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ جَـعَـلَـهَـا سَكَنًا وَمُسْتَرَاحًا وَأُنْسًـا وَوَاقِيةً، وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا يَجِبُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى صَاحِبهِ، ويَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ. وَوَجَبَ أَنْ يُحْسِـنَ صُحْبَةَ نِعْمَةِ اللَّهِ وَيُكْرِمَهَا ويَرْفَقَ بهَا وَإنْ كَانَ حَقُّكَ عَلَيْهَا أَغْلَظَ، فإنَّ لَها عَلَيْكَ أنْ تَرْحَمَها لأَنَّها أسيرُكَ و تُطْعِمها وتَكْسُوها،فِإذا جَهِلَتْ عَفَوْتَ عَنْها.

عندما يريد شخص ما توقيع عقد أو إبرام اتفاقية مع آخر حول شأن من شؤون الحياة اليومية، كالبيع والإجارة وغيرها، فإنه يمضي عادة وقتا طويلا في تفحص بنود العقد أو الاتفاقية بندا بندا ليتأكد من فهمه لها وأدائها للغرض المطلوب. وهذا شيء جيد لا غبار عليه. غير أن الشيء المثير للاستغراب أننا نُقدِم على توقيع أهم عقد في حياتنا دون أن نتفهم ما لنا وما علينا، وبالتالي نقع في الكثير من المحاذير والمحظورات الشرعية التي تُحِيل الحياة الزوجية إلى حلبة صراع بين إرادتين متباينتين، أو إلى سلطة تعسفية مطلقة يمارسها أحد الزوجين تجاه الآخر، مما يؤدي إلى النفور والنشوز والهجران والطلاق.

فالبيت الذي يفترض فيه أن يكون سكنا بعد الحركة الدائبة، ومستراحا ترويحيا بعد التعب والإجهاد، وأنسا من الوحشة، وواقية حصينة من الحرام؛ يصبح بسبب الانتهاكات الحقوقية بؤرة للتوتر وعدم الاستقرار، ومرتعا للنكد، وسجنا بل جحيما لا يطاق.

في كثير من الأحيان يعطي الزوج لنفسه صلاحيات واسعة يعتبرها حقوقا له دون أن يتساءل عن مشروعيتها، خصوصا عندما يعيش المرء في مجتمع ذي ثقافة ذكورية مستفحلة تستحي من إبداء الحب للزوجة ولا تخجل من إعلان الشتائم، بل قد تعد الكلمات الرقيقة اللطيفة ضعفا، والجفاء بطولة ورجولة.

إن معظم حالات الطلاق اليوم تحدث لأسباب تافهة، وتنبئ في أحد جوانبها عن ضحالة المعرفة الحقوقية للحياة الزوجية، إذ غالبا ما يستقي الشاب أو الفتاة معلوماتهما في هذا المجال من العرف الاجتماعي السائد، والذي قد لا يتطابق مع الشرع المقدس.

مثلا قد يضرب الزوج زوجته لأنها لم تقم بشؤون بيته أو بعضها من طبخ وكنس وغسل وما أشبه بالصورة المطلوبة، دون أن يدرك أن ذلك ليس من حقه أصلا، وأنها – إن فعلت – فإنما هو تفضل وتطوع ينبغي أن تُشكر على ما أحسنَت منه، وتُشجع على الإتقان فيما لم تحسن.

  • هل يعلم الشاب المعاني المتضمنة في بند الزواج القائم على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان؟
  • هل يفهم الشاب المراد من حق القوامة وحدودها؟
  • هل يدرك حقوق الزوجة الأساسية الثلاثة من نفقة وسكن مناسبين ومعاشرة بالمعروف؟
  • هل يمتلك الشاب الثقافة الشرعية لحل الخلافات الزوجية في مسألة النشوز وغيرها؟ بل هل يدري ما معنى النشوز أصلا، ومتى يتحقق؟
  • هل يدري أن الضرب هو الوسيلة الأخيرة والمرحلة النهائية لعلاج النشوز بعد استنفاد الوسائل الأخرى من الموعظة والنصيحة والهجر والإعراض؟
  • وهل يعرف حدود الضرب المسموح به، وأنه ينبغي أن يكون خفيفا لا يبعث على الحقد والضغينة، أو كما جاء في بعض الروايات بخشبة السواك، وأن لا يقع على المواقع الحساسة كالعين والرأس والبطن، وغير ذلك من الشروط المقررة في الفقه؟

روي عن رسول الله أنه قال:" فأي رجل لطم امرأته لطمة، أمر الله عز وجل مالكا خازن النيران فيلطمه على وجهه سبعين لطمة في نار جهنم".

لذا أرى من المهم جدا أن يقوم المتصدون لإجراء عقود الزواج بدور أكبر في نشر ثقافة الحقوق الزوجية بين الجنسين، وتوعية المقبلين على الزواج لذلك، حتى تؤسس بيوت الزوجية على تقوى من الله ورضوان، وحتى نحد من ظاهرة الخلافات الزوجية والعنف الأسري والطلاق.

في هذا المقطع من رسالة الحقوق تذكير للزوج بالتعامل مع الزوجة كنعمة ربانية تستحق شكر المنعم من جانب، وحسن الصحبة لها، والمحافظة على كرامتها، والرفق بها ومداراتها من جانب آخر. وفي ذلك يقول الإمام الصادق :" لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته: وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها".

إن المرأة مخلوق عاطفي بالدرجة الأولى، وهذا هو المدخل الأساس لفهم شخصيتها وكيفية التعامل معها. المرأة تهتم أولا بالإشباع العاطفي، ولذا فإن " قول الرجل للمرأة: إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا"، كما جاء عن رسول الله .

إنها أمور غير مكلفة، ولكنها تحتاج إلى نفوس كبيرة تضخم الإيجابيات، وتغض الطرف عن السلبيات، وذلك خلق رباني كريم، فالحسنة عند الله بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها ويعفو عن كثير.

شاعر وأديب