حق الولد

 

 

 

 

وَأمَّا حَقُّ وَلَدِكَ فَتَعْلَمَ أنَّهُ مِنْكَ وَمُضَافٌ إلَيكَ فِي عَاجِلِ الدُنْيَـا بخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَنَّكَ مَسْئولٌ عَمَّــا ولِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الأَدَب وَالدّلالَةِ عَلَى رَبــهِ وَالْمَعُونةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيكَ وَفِي نفْسِهِ، فَمُثابٌ عَلَى ذلِكَ وَمُعَاقَبٌ، فَــاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ الْمُتَزَيِّنِ بحُسْنِ أَثرِهِ عَلَيْهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، الْمُعْذِرِ إلَى رَبهِ فِيمَـا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ بحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَالأَخذُ لَهُ مِنْهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.

يحتل الحديث عن حق الولد اليوم أهمية قصوى، نظرا لقلة العناية بمعرفة هذا الحق وكيفية أدائه من جهة، ولما يتعرض له الأبناء في هذا العصر من انفتاح شديد على ثقافات أخرى لا تمت للقيم الدينية بصلة.

للأسف الشديد فإن مسألة التربية – رغم كونها من أخطر المسائل وأعقدها – إلا أنها لا تحظى بالاهتمام المطلوب من قبل الأبوين، إذ تتم عملية تنشئة الأبناء في الغالب دون أن يكلف الأبوان نفسيهما بالتزود بثقافة تربوية تمكنهما من فهم حاجات الأبناء في كل مرحلة عمرية وكيفية تلبيتها. فالتربية في مجتمعاتنا محكومة بالأساليب التقليدية المتوارثة، وشيء من المزاجية والاجتهاد غير المدروس، فهل نلوم بعد ذلك المخرجات ما دامت المدخلات بهذا الشكل؟

أمر آخر في غاية الأهمية؛ هو أن جُل الاهتمام في عصرنا الحاضر يتركز على إشباع الحاجات المادية للأبناء، ناسين ما هو أعظم خطرا وأكبر مسؤولية، ونعني به الحاجات المعنوية المتمثلة في التأديب والتعليم. يقول الإمام علي عليه السلام: « خير ما ورّث الآباءُ الأبناء الأدبَ ». هذا ما اهتم به لقمان الحكيم عليه السلام في وصاياه لولده التي ابتدأت بالعقيدة أولا باعتبارها الأساس الذي يقوم عليه بناء الطفل. وصية لقمان هي حديث مباشر يفقه أولويات التربية، ويخرج من القلب إلى القلب، في (موعظة) بحسب التعبير القرآني، تبدأ بأهم مسألة، معللة لها ومبينة آثارها السلبية الخطيرة.
﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) سورة لقمان.

إن أكثر ما ركزت عليه روايات أهل البيت عليهم السلام في شأن حق الولد هو التأديب والتعليم باعتبارهما خير ميراث . يقول الإمام الصادق عليه السلام: « إنَّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال ، فإنّ المال يذهب والأدب يبقى .. ». كما أكدت الروايات أيضا على المسارعة في التصدي لأداء هذا الحق خوفا على الأبناء من وقوعهم ضحايا للأفكار المنحرفة كما في الرواية التالية:" بادروا أحداثكم قبل أن تسبقكم إليهم المُرجئة".

وفي مقطع رسالة الحقوق هذا يؤكد الإمام على ضرورة استشعار المسؤولية التربوية بكافة أبعادها وآثارها في الدارين، حيث إن الولد في الدنيا منسوب للوالد بحسناته وسيئاته، وفي الآخرة مسؤول عن أدائه للحق الواجب عليه تجاهه المتمثل في حسن الأدب وإرشاده إلى طريق الصواب ومد يد العون له بالتشجيع على البر والمؤازرة في العمل الصالح.

ولكي يقوم بهذه المهمة خير قيام، عليه أن يحاول جعل ما يفعله ولده زينة له في الحياة الدنيا تسر الناظرين إليها، وأن يكون معذورا أمام الله تعالى يوم الحساب، حيث أدى مهمته ووظيفته وإن لم تنجح، إذ لم يكن التقصير في الفاعل وإنما في القابل.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الولد سيد سبعَ سنين، وخادم سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيتَ مكانفتَه لإحدى وعشرين، وإلا فاضرب على كتفه، قد أعذرتَ إلى الله.

هذا هو التقسيم الثلاثي للمراحل الأولى من حياة الأبناء؛ طفولة بريئة يعامل فيها الولد معاملة السيد، يُتصابى له، ويُلهى ويُلعب معه، ويُتجاوز عن أخطائه، ثم مرحلة الصبا التي ينفتح فيها الولد وتتفتق ملامحه الجسدية والفكرية، مما يحتاج إلى رعاية شديدة وعناية كبيرة، فكما قال الإمام علي لولده الحسن عليهما السلام: « إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ، ما أُلقي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبّك »، ثم مرحلة الفتوة التي يكون فيها صديقا ممارسا يتلقى خلالها أساليب التعامل في حياته العملية، ويتحمل المسؤولية بالتدريج.

وفقنا الله وإياكم للاضطلاع بهذه المسؤولية الخطيرة.

شاعر وأديب