حق ذي المعروف

 

 

 

 

وَأمّا حَقُّ ذِي المَعْرُوفِ عَلَيكَ فَأَنْ تَشْكُرَهُ وتَذْكُرَ مَعْرُوفَهُ وتَنْشُرَ لَهُ الْمَقَلَةَ الْحَسَنَةَ، وَتُخلِصَ لَهُ الدُّعَاءَ فِيمَا بَينَكَ وبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإنّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كُنْتَ قَدْ شَكَرْتَهُ سِرًّا وَعَلانِيَـةً. ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ مُكَافَأَتَهُ بالْفِعْلِ كَافَأتَهُ وإلاّ كُنْتَ مُرْصِدًا لَهُ مُوطِّنًا نَفْسَكَ عَلَيْهَا.

هذا النص من رسالة الحقوق يضعنا أمام حق آخر من الحقوق المغفول عنها، أو الغائب عن الكثير من ممارساتنا وسلوكياتنا اليومية.

كم مرة تتلقى الأم أو يتلقى الأب الشكر من أبنائهما رغم معروفهما الذي لا يمكن اختزاله بكلمات، والذي سبق الحديث عنه، ورغم أن الله تعالى قرن شكره بشكرهما لعظيم ما قدماه؟، كما قال تعالى في سورة لقمان:﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)

وكم مرة تتلقى الزوجة أو يتلقى الزوج الشكر من الآخر جزاء ما يفعله من معاشرة بالمعروف ومساهمة في توفير السكن والسكينة للآخر في جو من المودة والرحمة؟

وكم مرة تتلقى المعلمة أو يتلقى المعلم الشكر من الطالبات أو الطلبة على ما بذلاه من جهود مخلصة في سبيل التربية والتعليم؟

وكم مرة يتلقى المرؤوس من رئيسه الشكر على إنجازاته وإسهاماته وتضحياته التي تُسجل في الغالب لصالح رئيسه، ويُنسى دوره فيها؟

وكم مرة يتلقى المتصدون للأعمال التطوعية والخيرية الشكر من أبناء مجتمعهم الذي يعملون على تنميته، وينفقون من وقتهم وجهدهم ومالهم وجاههم لأجله؟

أسئلة كثيرة لا تنتظر الإجابة، وإنما تنتظر مراجعة الذات ومحاسبتها لإعادة الاعتبار لثقافة الشكر المغيبة قسرا عن مفرداتنا الحياتية، بحيث لم تعد حاضرة كجزء ذاتي مقوم لمنظومة العلاقات الاجتماعية.

اصطلاح (ذي المعروف) ينطبق على كل من أسدى لنا خدمة، أو قدم لنا جميلا يسيرا كان أو كبيرا، وبشكل مباشر أو غير مباشر؛ والذي يحدد الإمام حقوقه كالتالي:

  1. تقديم الشكر له؛ فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق. عن الإمام الرضا عليه السلام: " من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل"، و"الشكر ترجمان النية ولسان الطوية" كما عن الإمام علي عليه السلام، فالشكر تعبير خارجي عن مشاعر وجدانية داخلية لا يصح أن نمارس في حقها الكبت. وفوق كل ذلك، فإن الشكر خلق رباني ينبغي علينا أن نتخلق به، فالله تعالى شاكر وشكور.
  2. ذكر نفس المعروف للآخرين، مما يرسخ قيمة هذا المعروف، ويشجع على فعل مثله بين أبناء المجتمع.
  3. ذكر ذي المعروف، أي من قدم المعروف، بالثناء الجميل والذكر الحسن، والذي عبر عنه الإمام عليه السلام تعبيرا في غاية الجمال حين قال: "وتنشر له المقالة الحسنة". فالمطلوب هو نشر ذلك وإشاعته بين الناس تقديرا لذوي المعروف، وحثا على الاقتداء بهم.
  4. الدعاء الخالص لهم. ومما لا شك فيه أن مثل هذا الدعاء كلما كان في السر كان أكثر خلوصا، وكشف عن قلب مفعم بالشكر، ونفس لا تنسى أهل المعروف.
  5. المكافأة بالفعل: وهو انتقال يترقي به الإنسان من مرحلة الشكر اللفظي إلى الشكر الفعلي. والمكافأة مجازاة المعروف بمثله، كما قال الإمام الباقر عليه السلام:" مَن صَنع مثل ما صُنِع إليه فإنما كافأ، ومن أَضعف كان شاكرا". فالشكر مستوى أعلى من المكافأة.
  6. حين لا يكون الإنسان قادرا على المكافأة لظرف من الظروف، فهو معذور، إلا أن عليه أن يصمم بينه وبين نفسه على مكافأة المعروف متى أمكنه ذلك. وهذا معنى قول الإمام عليه السلام:"ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ مُكَافَأَتَهُ بالْفِعْلِ كَافَأتَهُ وإلاّ كُنْتَ مُرْصِدًا لَهُ مُوطِّنًا نَفْسَكَ عَلَيْهَا".

إن الشكر مرتبة عالية لا يصل إليها إلا أولئك الذين يملكون ذائقة صافية تشم عَرف المعروف أينما كان، ونفسا مرآتية تعكس جمال المعروف
وتنشره، وهم قليلون كما قال الله تعالى:﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سورة سبأ.

فلنعمل جاهدين على أن نكون من المنتمين لهذه القلة.

شاعر وأديب