حق المؤذن

 

 

 

 

وَأمّا حَقُّ الْمُؤَذِّنِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنّهُ مُذَكِّرُكَ برَبكَ وَدَاعِـــــيكَ إلَى حَظِّكَ وَأَفْضَلُ أَعْوَانِكَ عَلَى قَضَـــــــــــاءِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي افتَرَضَهَا اللهُ عَلَيْكَ فَتَشْكُرَهُ عَلَى ذَلِكَ شُكْرَكَ لِلْمُحْسِنِ إلَيكَ. وَإنْ كُنْتَ فِي بَيْتِكَ مُهْتَمًّا لِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ للهِ فِي أَمْرِهِ مُتَّهِمــــــاً وَعَلِمْتَ أنَّهُ نِعْمَةٌ مِن اللَّهِ عَلَيْكَ، لا شَكَّ فِيهَــــا، فَــــــــــــأَحْسِنْ صُحْبَةَ نِعْمَةِ اللَّهِ بحَمْدِ اللَّهِ عَلَيْهَــــــا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.

قبل أن نشرع في الحديث عن حق المؤذن، نرى من الجيد التأكيد على أهمية الأذان، نظرا لاستخفاف البعض به وتركه في الصلاة.

فالأذان من المستحبات المؤكدة في الصلاة، وقد ورد في فضله وفي فضل الإقامة الروايات الشريفة؛ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام): "مَنْ صَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ صَلَّى خَلْفَهُ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ صَلَّى بِإِقَامَةٍ بِغَيْرِ أَذَانٍ صَلَّى خَلْفَهُ صَفٌّ وَاحِدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ".

قُلْتُ لَهُ: وَكَمْ مِقْدَارُ كُلِّ صَفٍّ؟
فَقَالَ: "أَقَلُّهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَكْثَرُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".

كما يستحب في غير الصلاة أيضا؛ بل هو علاج لسوء الخلق. قال السيد اليزدي (قدس سره) في كتابه (العروة الوثقى): نعم يستحب الأذان في الأذن اليمنى من المولود، والإقامة في أذنه اليسرى يوم تولده، أو قبل أن تسقط سرته، وكذا يستحب الأذان في الفلوات عند الوحشة من الغُول وسحرة الجن، وكذا يستحب الأذان في أذن من ترك اللحم أربعين يوما، وكذا كل من ساء خلقه. والأولى أن يكون في أذنه اليمنى، وكذا الدابة إذا ساء خلقها.

أما المؤذن فله مقام رفيع وثواب عظيم عند الله تعالى، جزاء له على ما يقوم به من خدمة جليلة أساسها التذكير بالله من خلال هذه الشعيرة المقدسة.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ): "مَنْ أَذَّنَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ".

وَرُوِيَ عن الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : "الْمُؤَذِّنُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَمَدَّ صَوْتِهِ فِي السَّمَاءِ، وَيُصَدِّقُهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ يَسْمَعُهُ، وَلَهُ مِنْ كُلِّ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ فِي مَسْجِدِهِ سَهْمٌ، وَلَهُ مِنْ كُلِّ مَنْ يُصَلِّي بِصَوْتِهِ حَسَنَةٌ".

ومَن كان هذا مقامه، فلا شك أن له حقوقا لم يهملها الإمام علي بن الحسين عليه السلام في رسالته الشريفة، فأوضحها في هذا المقطع الذي يتأكد من تأمله عدة أمور، منها:

1- المؤذن يؤدي وظيفة شرعية شريفة تستهدف خدمة الآخرين من خلال رسالة صوتية تذكيرية. ولذا ذكر الفقهاء مجموعة من المستحبات في المؤذن كي يؤدي وظيفته على أكمل وجه، منها: أن يكون عدلا، رفيع الصوت، مبصرا، بصيرا بمعرفة الأوقات.
2- على مستقبلي خدمة الأذان تقديم الشكر للمؤذن، تماما كما يُشكر أي محسن آخر.
3- الإسلام دين واقعي، ولذا فإنه يأخذ بعين الاعتبار ما قد يحدث على أرض الواقع من تأذي البعض من صوت المؤذن، خصوصا إذا لم يتم بالصورة المطلوبة. فيأتي التوجيه بعدم نقل هذا التضايق إلى شعيرة الأذان نفسها، فقد يكون هذا التأذي مدخلا يستغله الشيطان لتشكيك المؤمن في الشعيرة ذاتها، وللتغلب على ذلك يأتي التوجيه الثاني بضرورة تلقين النفس أن المؤذن نعمة من نعم الله تعالى يجب التعامل معها بالشكر والثناء والحمد لله في جميع الأحوال.

هنا لا بد من وقفة قصيرة؛ وهي أن على المؤذنين أن يهتموا بالعلاقة الطيبة مع الآخرين، وبالأخص مع جيران المسجد، وأن يستمعوا لآرائهم.

أخيرا لنتعلم من الملائكة كيفية التفاعل مع شعيرة الأذان وصوت المؤذن، فقد رُوِيَ "أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعَتِ الْأَذَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ قَالَتْ: هَذِهِ أَصْوَاتُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه و آله ) بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه و آله ) حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ".

شاعر وأديب