حق الإمام في الصلاة


 

 

 


وَأمّا حَقُّ إمَامِكَ فِي صَلاتِكَ فَأَنْ تَعلَمَ أنّهُ قَدْ تَقَلَّدَ السِّفَارَةَ فِيمَــــا بَيْنَكَ وبَيْنَ اللَّهِ وَالْوِفَادَةَ إلَى رَبكَ، وتَكَلَّمَ عَنْكَ وَلَمْ تَتَكَلَّمْ عَنْهُ، وَدعَا لَكَ وَلَمْ تَدْعُ لَهُ، وَطَلَبَ فِيكَ وَلَمْ تَطْلُبْ فِيهِ، وَكَفَاكَ هَمَّ الْمَقَـامِ بَينَ يدي اللهِ وَالمُسَاءَلَةَ لَهُ فِيكَ وَلَمْ تَكْفِهِ ذَلِكَ، فَإنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَقْصِيرٌ كَانَ بهِ دُونَكَ، وَإنْ كَانَ آثِماً لَمْ تَكُنْ شَرِيكَهُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيكَ فَضلٌ، فَوقَى نَفْسَكَ بنَفْســِهِ، وَوَقَى صـَلاتَكَ بصَلاتِهِ، فَتَشْكُرَ لَهُ عَلَى ذلِكَ. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ
.

عندما نقرأ الروايات الكثيرة الواردة في فضل صلاة الجماعة، ثم نشاهد واقعنا الذي تشكو فيه مساجدنا قلة المصلين، سنكتشف أننا في مرحلة متقدمة من الزهد المذموم؛ أعني الزهد في الثواب العظيم.

فإذا قالت الرواية عن رسول الله : من صلّى أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتب له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق.

وإذا قالت الرواية عن حفيده الإمام السجاد   : ما من خطوة أحبُّ إلى الله من خطوتين : خطوة يسدُّ بها المؤمن صفاً في الله ، وخطوة إلى ذي رحم قاطع.

وإذا قالت الرواية عن حفيده الإمام الصادق : ألا ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة ، كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة ، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك ، وإن مات وهو على ذلك وكّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ، ويونسونه في وحدته ، ويستغفرون له حتى يبعث.

فهل هناك عاقل تُعرض عليه هذه الصفقات الرابحة فيتعمد تضييعها؟! ألا يكشف ذلك عن خلل في النظرة إلى أهمية اكتساب قليل الثواب فضلا عن كثيره، وكأننا لا نفكر في ميزان يوم القيامة وصحفه المنشورة، حين يحتاج المرء إلى مثقال ذرة من خير، ويهرب من مثقال ذرة من شر.

﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (30) سورة آل عمران.

إن صلاة الجماعة مظهر فريد يختزن عميق المعاني، من وحدة الصف، وإظهار القوة والتماسك في الأمة، والالتزام بالنظام، وتحقيق المساواة الاجتماعية، وضرورة القيادة الراشدة، وأهمية الارتباط بالجماعة المؤمنة في السفر إلى الله تعالى.

وقد بين الإمام الرضا   الأهداف السامية لهذه الصلاة في قوله: "إنما جعلت الجماعة لئلا يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلا ظاهرا مكشوفا مشهورا، لأن في إظهاره حجة على أهل الشرق والغرب لله وحده، وليكون المنافق والمستخف مؤديا لما أقر به يظهر الإسلام والمراقبة، وليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة، مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى، والزجر عن كثير من معاصي الله عز وجل".

وإمام الجماعة كما وصفه الإمام علي بن الحسين    في هذا المقطع يتحمل مسؤولية عظمى وأمانة كبرى، فهو سفير فوق العادة بين المأمومين وبين الله، وهو رئيس الوفد المتوجه للقاء ربه تعالى، والمتحدث الرسمي باسمه، والمتصدي في المحراب لمحاربة الشيطان ووساوسه، والمسؤول دون غيره عن تسليم الصلاة في أكمل صورة ممكنة.

لذا فقد حدد الشرع المقدس شرائط ومواصفات لإمام الجماعة، وأوجب له حق الشكر على قيامه بهذه المهمة الجليلة.

وذكر فقهاؤنا في رسائلهم العملية عدة شرائط كالبلوغ والعقل والإيمان وطهارة المولد والعدالة، حيث لا تجوز الصلاة خلف الفاسق أو مجهول الحال. وعرف السيد اليزدي في العروة الوثقى العدالة بأنها " ملكة الاجتناب عن الكبائر وعن الإصرار على الصغائر وعن منافيات المروة الدالة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين". والمقصود بمنافيات المروة ما يدل على خِسة النفس ودناءة الهمة، حيث المروءة هي كمال الرجولة.

إن هذه الشروط ليست تعجيزية كما يظن البعض، إذ يكفي لتحقق شرط العدالة "حسن الظاهر الكاشف ظنا عن تلك الملكة" بحسب عبارة العروة الوثقى. وفي سياق تحذيره مِن ترك صلاة الجماعة ينبه السيد اليزدي (قدس سره) إلى الانتباه لوساوس الشيطان وتسويلاته، "فإنه كما ورد لا يمنع الشيطانُ من شيء من العبادات منعَها، ويعرض عليهم الشبهات من جهة العدالة ونحوها حيث لا يمكنهم إنكارها، لأن فضلها من ضروريات الدين".

شاعر وأديب