حق الشريك

 

 

 

 

وَأمّــا حَقُّ الشَّرِيكِ، فَإنْ غَابَ كَفَيْتَهُ، وَإنْ حَضَرَ سَاويْتَهُ، ولا تَعْزِمْ عَلَى حُكْمِكَ دُونَ حُكْمِهِ، وَلا تَعمَلْ برَأْيكَ دُونَ مُناظَرَتهِ، وتَحْفَظُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَتنْفِي عَنْهُ خِيَانتَهُ فِيمَـا عَزَّ أَو هَانَ فَإنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ "يَدَ اللهِ عَلَى الشَّرِيـكَيْنِ مَا لَمْ يَتَخاوَنا". ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.

كثيرا ما تقع المنازعات بين الشركاء لتنتهي إلى خصومات طويلة، وربما مؤبدة، خصوصا إذا لم يمكن التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الشركاء. ولذا ينظر البعض في مجتمعاتنا إلى الشراكة نظرة سلبية بناء على تجارب فاشلة عايشها أو سمع عنها، بينما نرى الشراكة تنمو بشكل مذهل في المجتمعات المتقدمة لما فيها من إيجابيات كثيرة ومردودات كبيرة.

المشكلة إذن ليست في الشركة والشراكة، بل للتطبيقات السيئة لها الناتجة في الغالب عن عدم اختيار الشريك المناسب أو عدم إيلاء عقد الشركة الأهمية المطلوبة حين الصياغة، خصوصا في المشاريع الصغيرة المشتركة. فغالبا ما تكون الثقة وحدها هي العامل الأساس في عقد الشركة، فيكتفى بعقد بسيط لا يغطي كل الجوانب والاحتمالات، ولا يتم أخذ أي استشارة قانونية في هذا المجال.

وعندما ينشب النزاع يكتشف الشركاء الثغرات، وتدخل الشياطين في التفاصيل.

لقد اهتم فقهنا الإسلامي بالشركة وعقد الشركة، وتطرقت مسائله إلى مساهمات الشركاء وإدارة الشركة، وتوزيع الأرباح والخسائر، وبطلان أو فسخ الشركة، وتصفية الشركة، وهو ما ينبغي أن يطلع عليه من أراد الدخول في عقد شركة ما.

تطلق الشركة - كما يذكر الشيخ باقر الأيرواني في كتابه (دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي)- على معنيين:

أ‌-كون شيء واحد لاثنين أو أزيد بنحو الإشاعة.
ب‌-الاتفاق بين طرفين أو أزيد على الاتجار بمالهم مع الاشتراك في الربح والخسارة.

وهي بالمعنى الثاني عقد، ولأجله صح إدراجها في العقود بخلافه في المعنى الأول فإنها ليست عقدا.

والكلام هنا في هذا المقطع من رسالة الحقوق عن حق الشريك في التجارة على ما يظهر؛ حيث يحدد الإمام عليه السلام مجموعة من الحقوق الإدارية والأخلاقية التي ينبغي مراعاتها وأداؤها من أجل ضمان استمرار الشراكة ونموها. وتتمثل في التالي:

القيام مقامه في حال غيابه؛ فتتصرف كأنه حاضر وتتحمل أعباء دوره بمسؤولية وأمانة.

  1. المساواة معه في حال حضوره، فكلاكما شريك للآخر.
  2. عدم الانفراد في اتخاذ القرارات. وهو ما نفهمه من قوله عليه السلام: ولا تَعْزِمْ عَلَى حُكْمِكَ دُونَ حُكْمِـــــهِ.
  3. إعمال مبدأ الشورى. إذ لا يجوز لأحد الشركاء إعمال رأيه دون أخذ رأي الطرف الآخر، وهو ما عناه الإمام بقوله: "وَلا تَعمَلْ برَأْيكَ دُونَ مُنــــاظَرَتهِ". فالمناظرة تعني أن ينظر الطرفان في الأمر، لا أن ينظر واحد دون الآخر.
  4. الأمانة وعدم الخيانة في قليل أو كثير. وهو ما أشار إليه الإمام عليه السلام بقوله: وتَحْفَظُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَتنْفِي عَنْهُ خِيَانتَهُ فِيمَـا عَزَّ أَو هَانَ.

ومما يؤكد على أهمية الأمانة، ما ورد في الرواية التالية: يقول الحسين بن المختار: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام، الرجل يكون له الشريك فيظهر عليه قد اختان شيئاً، أله أن يأخذ منه مثل الذي أخذ من غير أن يبيِّن له؟. فقال الإمام عليه السلام: «شوه، إنما اشتركا بأمانة الله، وإنّي لأحب له إن رأى شيئاً من ذلك أن يستر عليه، وما أُحبّ أن يأخذ منه شيئاً بغير علمه». وكلمة (شوه) هنا تدل على تقبيح الفعل وإنكاره، ومنه قولهم: شاهت الوجوه أي قبحت.

وهذه الأخيرة، أعني الأمانة، هي الأساس الأول في بقاء الشركة، وهو ما أكد عليه الإمام عليه السلام حين ذكر الحديث عن رسول الله الذي يبين أن الخيانة تفضي إلى إنهاء الشركة وضياعها، حيث يرفع الله تعالى يده عنها.

لذا فمن الضروري حين الشروع بتأسيس شركة ما أن يبحث الإنسان عن شريك معروف بالصدق والأمانة. فقد ورد عن رسول الله أنه قال: من ائتمن غير أمين فليس له على الله ضمان، لأنه قد نهاه أن يأتمنه.

إننا نطمح إلى أن نرى مجتمعنا حافلا بالشركات الناجحة في مختلف الأنشطة كي يساهم في إيجاد الوظائف، والاستفادة من الطاقات والثروات المجمدة لدفع عجلة التنمية في مجتمعنا إلى الأمام.

شاعر وأديب