حق المستشير

 

 

 

وَأمّا حَقُّ المُسْتَشِيرِ، فَإنْ حَضَرَكَ لَهُ وَجْهُ رَأْيٍ جَهَدْتَ لَهُ فِي النَّصِيحَةِ، وَأَشَرْتَ عَلَيهِ بمَا تَعْلَمُ أَنَّكَ لَوْ كُنْتَ مَكَانهُ عَمِلْتَ بهِ، وَذَلِكَ لِيَكُنْ مِنْكَ فِي رَحْمَةٍ وَلِينٍ، فَإنَّ اللِّينَ يُؤْنِسُ الْوَحْشَةَ وَإنَّ الْغِلْظَ يُوحِشُ مَوضِعَ الأنْسِ. وَإنْ لَمْ يَحْضُرْكَ لَهُ رَأيٌ وَعَرَفْتَ لَهُ مَنْ تثِقُ برَأيِهِ وَترْضَى بهِ لِنَفْسِكَ دَلَلْتَهُ عَلَيْهِ وَأَرْشَدتَهُ إلَيْهِ، فَكُنْتَ لَمْ تَألُهُ خَيرًا وَلَمْ تَدَّخِرْهُ نُصْحاً. ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.

لا يجادل أحد في أهمية الشورى على مستوى الفرد والمجتمع والدولة.

وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم أيضا الذي خاطب أكمل عقل بقوله تعالى:﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، وهو الذي كان يفعل ذلك حيث نزلت هذه الآية بعد غزوة أحد التي استشار فيها النبي قومه حول مكان تموضعهم، فأشاروا عليه بأن يكون عند الجبل.

فإذا كان النبي وهو صاحب العقل الذي لا تُوازى به العقول يستشير غيره، أفلا يدل ذلك على الموقعية العظمى للشورى في ديننا الحنيف الذي ذكر المؤمنين بصفات عظيمة جعلها من بينها أنهم يُقيمون أمورهم على أساس الشورى:﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38) سورة الشورى.

بالطبع لم يكن النبي يستشير فيما فيه نص قطعي، بل في الأمور الزمنية التدبيرية كما هو واضح من سيرته الشريفة.

وبلغ من شدة اهتمام الإسلام بالشورى أن أدخلها حتى في الشؤون الشخصية داخل الأسرة؛ ففطام الطفل الرضيع في الحولين ينبغي أن يكون عن تشاور أيضا:﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا 233، سورة البقرة.

الاستشارة هي مشاركة الآخرين عقولهم وتجاربهم، و"من شاور ذوي العقول استضاء بأنوار العقول" كما قال الإمام علي .

وذلك ما تقوم به المجتمعات المتحضرة في كل شؤونها، صغيرها وكبيرها من خلال المجالس النيابية والطلابية والنقابية وبيوت الخبرة والهيئات الاستشارية. وهو أيضا ما تتعمد إهماله وعدم تفعيله مجتمعات الاستبداد التي تقوم في أحسن الأحوال بصنع مجالس وهيئات بمقاسات خاصة ليكون تأثيرها محدودا أو شكليا.

لذا فإنه ينبغي علينا أن نُعمِل الشورى على المستوى الفردي والأسري والاجتماعي وصولا لمجتمع ديمقراطي يستحق الشورى وتستحقه؛ مجتمع ينشد الشورى ويدرك حق المستشير وحق المشير أو المستشار.

في هذا المقطع يتحدث الإمام عن حق المستشير على مستشاره، وهو ما ينطبق أيضا على أي ناخب اختار عضوا نائبا عنه في أحد المجالس الاستشارية.

موقف المستشار عند طلب الاستشارة منه لا يخلو من أحد وجهين: إما أنه يكون قادرا على إعطاء رأي في الموضوع أو لا. ففي الأولى ينبغي عليه أن يمحض المستشير النصيحة الخالصة المنبثقة من خلاصة تجاربه وتفكيره، والتي تمثل رأيه فيما لو كان هو نفسه من سيعمل بها.

بالإضافة لذلك ينبغي أن يهتم المستشار بطريقة عرض النصيحة حتى يتم قبولها بسهولة؛ وهو ما ذكره الإمام بقوله: ﴿وَذَلِكَ لِيَكُنْ مِنْكَ فِي رَحْمَةٍ وَلِينٍ، فَإنَّ اللِّينَ يُؤْنِسُ الْوَحْشَةَ وَإنَّ الْغِلْظَ يُوحِشُ مَوضِعَ الأنْسِ.،

وهو ما يتناص مع الآية الشريفة التي أمرت النبي بالشورى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) سورة آل عمران.

وفي الثانية حين لا يستطيع المستشار أن يدلي برأي في موضوع الاستشارة، فعليه أن يرشد مستشيره إلى من يثق برأيه وخبرته وحنكته ويرتضيه لنفسه مستشارا، فيكون بذلك قد خرج عن التقصير في حق المستشير، وقدم له ما يمكنه تقديمه.

شاعر وأديب